بعدما سلّم المحقق الخاص، روبرت مولر، تقريره لوزارة العدل، تسرّب، لمن يجيد اقتناص التسريبات وما وراء التصريحات، أن التقرير يبرئ ترمب من أهم تهمتين تطيحان بالرئيس الأمريكي عن طريق العزل، أي التواطؤ مع دولة أجنبية (هنا روسيا أشرس خصوم أمريكا)، وعرقلة سير العدالة، وحينها قرَّر ترمب أن يحتفل على طريقته الخاصة، في منتجع مارالاقو، وهو المنتجع الذي كان شبه مهجور، ثم اشتراه رجل الأعمال دونالد ترمب، وكعادته في تحويل المِحَن إلى مِنَح، حوّله إلى منتجع فخم من فئة السبع نجوم، يرتاده الأثرياء، واقتطع جزءاً منه لاستخدامه الشخصي، وهناك احتفل، بعد سنتين من ملاحقة الديمقراطيين والإعلام له، وتبشيرهم بقرب عزله، حتى إن بعض المحلّلين العرب جزم بنهاية ترمب المأسوية على يد خصمه الشرس، روبرت مولر. روبرت مولر محامٍ بارع، سبق أن عمل مساعداً لوزير العدل لشؤون مكافحة الجريمة، ونائباً لوزير العدل، ومديراً لمكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) لمدة طويلة، كما عمل مدعياً عاماً فيدرالياً في ولايات كاليفورنيا وماسشيوستس، وهو محترم من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وقد ساعده في تحقيقه عشرات المحامين الأكفاء، ولا شك أنه يتميّز بالمهنية، التي يتطلبها التحقيق في مسألة تخص رئيس أقوى دول العالم، وربما أنه كان يطمح في الإطاحة بترمب، ليدخل التاريخ من جهة، ولأنه خصم للرئيس من جهة أخرى، ولكن كل من يعرفه وعمل معه، يؤكّد على أنه شخصية جادة مهنية تبحث عن الحقيقة والحقيقة فقط، وقد أمضى في تحقيقاته وقتاً طويلاً، أطاح خلالها برؤوس كبيرة، تم توجيه اتهامات لها، ولكنه لم يدن الرئيس. كان ترمب يردد طوال سنتين أنه لا يوجد تواطؤ مع الروس، وكان الإعلام الأمريكي، وتوابعه حول العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وبالذات خصوم المملكة في إيران وتركيا وقطر، يهددونه بتقرير مولر، ولم يقصّر الأخير، فقد وجّه اتهامات لشخصيات لها ارتباط بترمب، مثل محاميه الشهير، مايكل كوهين، وكلما حدث ذلك، كلما تيقن هؤلاء أن المتهم النهائي سيكون ترمب، وغني عن القول أن مولر أطال أمد التحقيق، واتهمه ترمب والجمهوريون بأنه فعل ذلك عمداً، ليؤثِّر على نتائج الانتخابات النصفية الماضية لصالح الديمقراطيين، الذين استطاعوا بالفعل أن ينتزعوا مجلس النواب من الجمهوريين، ثم بدؤوا يعدّون الأيام لليوم الموعود، اليوم الذي يخرج التقرير المنتظر، ولم يكن مولر، طوال مدة التحقيق، يصرّح بشيء، بل ظل صامتاً، ثم رمى قنبلته على رؤوس خصوم ترمب، ولم يستفيقوا من الصدمة حتى هذه اللحظة، وسيتواصل الحديث!