تحت رعاية سمو ولي العهد.. انطلاق أعمال المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار في الرياض    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    مدير المنتخب السعودي يستقيل من منصبه    مسرحية كبسة وكمونيه .. مواقف كوميدية تعكس العلاقة الطيبة بين السعودية والسودان    بحضور وزير الثقافة.. روائع الأوركسترا السعودية تتألق في طوكيو    وزير الصناعة في رحاب هيئة الصحفيين بمكة المكرمة    جبل محجة الاثري في شملي حائل ..أيقونه تاريخية تلفت أنظار سواح العالم .!    أسعار النفط تستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    الأرصاد: انخفاض ملموس في درجات الحرارة على أجزاء من شمال ووسط المملكة    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    «كل البيعة خربانة»    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تجعلنا الفلسفة أكثر ذكاءً؟ مناقشة لمقال د. فوزية البكر
د . راشد العبدالكريم
نشر في الجزيرة يوم 01 - 12 - 2018

كتبت أ. د. فوزية البكر مقالاً بعنوان (هل تجعلنا دراسة الفلسفة أكثر ذكاء؟) في جريدة الجزيرة العدد 16856 يوم الخميس 14-3-1440. حوى المقال ثلاث نقاط أساسية: وظيفة الفلسفة، وتدريس الفلسفة، والعلاقة بين الفلسفة - أو تدريس الفلسفة - وزيادة الذكاء. وسأحال في هذا المقال أن أناقش الكاتبة في هذه النقاط الثلاث.
المقال لم يعرف لنا ما هي الفلسفة، بل أطلق القول فيها وفي تدريسها وفي علاقتها بالذكاء، ولا ندري بالضبط ماذا يعني المقال ب (الفلسفة) وأي جزء من الفلسفة يعني. وأي دارس للفلسفة يعلم الخلاف الكبير في هذا الموضوع، بحيث لا يمكن معه أن يجمل القول في (الفلسفة). فهل المقال يعني (تأريخ الفلسفة) أم (أقوال الفلاسفة، والنظريات الكبرى فيها)؟ أم (التفلسف والنظر العقلي المجرد)؟ فتأريخ الفلسفة يدرّس كأي «علم» من العلوم، وكذلك أقوال الفلاسفة، أما التفلسف والنظر العقلي المجرد فهو، إذا أخذ دون الإطار العقلي للفلسفة، مهارات التفكير التي ندرسها في مناهجنا، وتدرِّسها تقريبا كل بلاد الدنيا. أما إن كان المقصود (المنطق الإغريقي) فهو إطار للحجاج العقلي انتهى كبناء مستقل، ولم يعد له فائدة عملية تذكر. فلدينا التفكير العلمي والتفكير النقدي والتفكير الإبداعي. وكل العلوم قائمة على هذه الأنواع من التفكير.
وإطلاق القول بأنه: (يتمثل دور الفلسفة في مساعدة العقول على توليد أفكارٍ صحيحة) غير صحيح! فالذي يولد الأفكار الصحيحة هو العلم. فالفلسفة لا تساعد على تقديم أفكار صحيحة جديدة، قصارى جهد الفلسفة أن تساعد على طرح أسئلة (وقد تكون صحيحة وقد لا تكون!) أما الإجابات فقد أثبت البحث الفلسفي أن الفلاسفة أعجز من أن يقدموا إجابات نافعة، بل يهربون من ذلك إلى طرح المزيد من الأسئلة. وبدل أن يندهش الإنسان بسؤال «طبيعي» واحد، ينهكونه بمائة سؤال وسؤال، بحيث ينشغل بالأسئلة عن الأجوبة. ولذلك انتهت الفلسفة إلى (الشك)، ولم تفلح في تقديم إجابة مرضية وصحيحة لسؤال واحد. مع أنه فلسفيًا لا يمكن الاتفاق على معنى (صحيحة)! فهم لم يتفقوا حتى على ما هو الصحيح! ولذلك – كما تقول الكاتبة إننا (وكما ترى اليونسكو نحن اليوم بحاجة ماسة إلى الفلسفة التي لا تقدم أجوبةً). وهذا بالطبع ليس تواضعًا منهم، بل هو إعلان للعجز واعتراف غير مباشر بالحقيقة التي ظل الفلاسفة – وأتباعهم – يتعامون عنها لآلاف السنين!
و»أصل المشكلة هي أن المعرفة [الفلسفية] – كما يقول باجيني في (الفلسفة، موضوعات مفتاحية) - تتطلب فيما يبدو نوعًا خاصًا من اليقين الذي لا يتوافر عادة في الاعتقاد العادي. لكن ما إن تسأل عما يمكن أن يبرر هذا اليقين حتى تبدأ باكتشاف أن من الصعب العثور على جواب، إن لم يكن من المستحيل»!
أما القول بأن المعرفة الحقيقية لا تأتي إلا من الداخل، فهو جدل فلسفي مر عليه أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ولم يتوصل فيه الفلاسفة إلا.. إلى مزيد من الأسئلة!
وتتساءل الكاتبة مع جاردر عن السر وراء قدرة الأطفال في إطلاق الأسئلة المدهشة؟ وفي نظري أن الإجابة على هذا السؤال تكمن في أن الأطفال لم يتعودا على «المنطق»! أي لم يتبرمجوا، فهم يفكرون خارج حدود المنطق والمعتاد. فقط! ولا علاقة لهذا بالفلسفة.
وتقرر الكاتبة بناء على ذلك – اتفاقا مع جاردر - أن (الفيلسوف هو إنسان لم يستطع أن يتعود على العالم!!!)، (علامات التعجب من أصل المقال). وأقول ربما أن بعض الفلاسفة لم يتعودا على العالم، ولا أدري ماذا يعني هذا بالضبط!! لكن الأكيد أن مشكلة الفلاسفة ليس أنهم لم يتعودا على العالم، إنما مشكلتهم أنهم لم يفهموا العالم فيريدونه أن يكون – قسرًا - مفهومًا لهم! فبدلاً من أن يفهموا أو أن يعلنوا العجز عن الفهم .. صاروا يصرخون ليكون العالم كما يفهمونه! (هل هناك علاقة بين هذا وبين تصرفات الأطفال في بعض الأحيان؟!). ولعلي أتفلسف وأقول إن (الحاجة للفلسفة) لا تعدو أن تكون تعودًا فلسفيًا، يراد لنا أن نبقى أسرى له!
ثم تطرح الكاتبة سؤال جوهريا: (لماذا نحتاج الفلسفة أكثر من أي وقت مضى؟) وعندي أنه يجب أن نطرح سؤالاً قبله وهو (هل كنا - نحن البشر - فعلاً يومًا بحاجة للفلسفة؟) وتجيب الكاتبة - أو اليونيسكو، غير واضح - : (لأن العالم «أصبح مكانًا أكثر قلقًا وخطرًا بسبب خطابات التضييق والكراهية والتفسيرات الثقافية المحدودة»). وأي دارس - موضوعي - للفلسفة يرى أن «الفلاسفة» و»الفلسفة» شاركت في جعل العالم مكانًا أكثر قلقًا وخطرًا. ولست بحاجة لأن أذكر بالفلسفة المادية والماركسية والوجودية والحداثية، ولن أعود للوراء كثيرًا لأذكر بالكلبية والسفسطائية. والمعروف أن كل دكتاتورية أذاقت العالم الويلات كان وراءها «فلسفة» ما!
الموضوع الثاني الذي تطرق له المقال هو تدريس الفلسفة. ولن أتوسع فيه، لكني أقول إن من يتأمل الدول التي تدرّس الفلسفة يرى أنها ليست من الدول العربية المتقدمة حضاريًا ومدنيًا، كما أنه – بشيء من الإنصاف - سيلاحظ أن أكثرها من الدول التي تنتشر فيها الخرافة بأنواعها، من سحر وكهانة واعتقاد بقداسة الأشخاص والأشياء. ولا يشك متابع، أن مستوى التعليم لدينا في واقعه أو بحسب التصنيفات الدولية - وواقعنا الحضاري بشكل عام - أفضل بكثير من الدول التي ذكر المقال أنها تدرس الفلسفة.
أما السؤال (هل الفلسفة تجعلنا أكثر ذكاءً؟) وسياق الكاتبة لدراسة «تثبت ذلك» فهذا فيه (مغالطة منطقية) - بل مغالطات -، ولا أظن الأمر يخفى على الدكتورة. فالحوار وطرح الأسئلة وممارسة الطلاب للتفكير الناقد، ليس فلسفة. وكل الأبحاث النفسية والتربوية تؤكد أن تدريس مهارات التفكير والحوار تزيد من القدرة على التفكير والتعبير وحل المشكلات - وليس الذكاء فقط. ولا علاقة لهذا بتدريس الفلسفة. كما أن استدامة هذا الأثر لا يمكن بأي حال ربطه بأثر هذه التجربة، وهذا مغالطة ثانية، إذًا يلزم لادعاء هذه النتيجة أن تحيد كل المتغيرات الأخرى التي يحتمل تأثيرها على المشاركين. إن المساواة بين (الفلسفة) – بالعموم – وبين (مهارات التفكير) نوع من المغالطة في الاستدلال، والمغالطات المنطقية يعتمد عليها كثير من الفلاسفة في جدلهم، لكنهم يعتمدون على مغالطات لا يصنعها – ولا يكتشفها، غالبًا - إلا الفلاسفة.
نحن بحاجة إلى مهارات التفكير بأنواعه لنعرف كيف نطرح السؤال المفيد ونتوصل للإجابة الصحيحة أو المفيدة، ولاكتشاف المغالطات المنطقية. أما الفلسفة فإنها لم تفلح إلا في أن تقود إلى الشك، وللهروب منه تطرح المزيد من الأسئلة. ولا يمكن أن يزيد تدريسها في مناهجنا إلا الكم المعرفي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.