عابد خازندار - رحمه الله - له رأي غرائبي، يتمثل في (نفي الإبداع)؛ لأن مقتضاه ألا يكون على مثال، والله وحده المبدع (بديع السماوات والأرض). ولهذا فالشاعر الجاهلي يقول: «ما ترانا نقول إلا معارًا... أو معادًا...). ويقول: «هل غادر الشعراء من متردم؟». أنا لست معه، ولكنني أحترم رؤيته. هذه الخواطر ذكَّرتني بما لقيت من عنف في النقد، وصلف في الآراء عنده - رحمه الله - مع طيبة في القلب، وأوبة سريعة إلى الحق. لقد وصف نقدي ل(النقد البنيوي للرواية) بالفضيحة، ثم ندم؛ واعترف بأنه ظلمني. هناك إبداع لا يؤتاه إلا الموهوب. والموهبة وحدها لا تكفي لصناعة النص الخالد المتجدد. لابد من الثقافة؛ والتجربة، والأجواء الملائمة. إخفاق الإبداع السردي يكمن في ركونه إلى القدرة الإنشائية، ومجاملة النقد، أو غيابه. الزمن (زمن الرواية). كما يقول الناقد الحداثي (جابر عصفور). هذا الطغيان لا يعني التفوق، ولا التألق. المخفقون يتوسلون بالإثارة الجنسية، والإسفاف الأخلاقي. النص - في نظري - (لغة) متعالية بذاتها، وبنائها. لقد خلد (المنفلوطي) (والرافعي) بجمال الصياغة. لا يملكون أفكارًا عميقة، وإنما يملكون لغة متميزة.. السرديون لا يقيمون وزنًا للغة الفن. الإبداع يتمثل باحترام قارئك في مسلَّماته وذائقته. لقد أثقلت السرديين كافة، والسرديين السعوديين على وجه الخصوص؛ لأن الإخفاق السردي قضية مسلَّمة. لقد تخلف سلطان الشعر، وطغى سلطان الرواية. الإبداع ليس مجرد قول؛ إنه مخاض صعب: (الشعر صعب وطويل سلمه). والرواية - لمن يجهل - قيمتها أصعب، والإبداع قائم ما قامت اللغة، والريشة، والإزميل. والرسم بالكلمات لا يقل عن الرسم بالريشة والحفر بالإزميل. (البحتري) المبدع بالكلمات بهره المبدع بالريشة والإزميل حتى قال عن الرسوم في (إيوان كسرى):- «يغتلي فيهم ارتيابي حتى ** تتقراهم يداي بلمس». لأن إبداع الرسام جعل الصورة حقيقة في نظر المشاهد. ولأن البحتري شاعر أمكن فهو الأدرى بمضائق الإبداع.