كلمة تسيل رقة وعذوبة بلا لهب، كأنها (قبلة من وراء زجاج)، وقد وصفت بها النساء فى حال صفائهن، أما إذا هب بهن الغضب، وأخذهن كالشعراء إلى وادي عبقر، فهن يتحولن من زجاج إلى صخور. ستظن أني سادر فى وادي العاشقين، وأني سأملأ أذنيك غزلا (نزاريا) وأضع بين عينيك معلقة تصف بذوبان (طفولة نهد) كلا، كلا.. فأنا أقصد بالقوارير مفردات اللغة عندما ينطق بها الشعراء، وكيف تمتلئ حشرجة وتوترا ينقض على سمعك كقدر إغريقي. إذا لم تكن على يقين من هذا، فاستمع إلى شاعر وهو يقرأ يغتلي فيهم ارتيابي حتى تتقراهم يداي بلمس إنه لا يقرؤها مثل الناس، بل ولا حتى مثل البحتري. إنه ينتفخ مثل هر غاضب، حتى لو أنك قريب منه لفقأ عينيك بأصابعه وهو يتقرى وجهك بيده.. لذا ترى المفردات اللغوية وقد تناثرت اشلاء، وهو يتلفت ذات اليمين وذات الشمال (فعل المؤذن شك يوم سحاب) كما يقول بشار. سوف يسرع إليك السؤال التالي: لماذا يرتكب الشاعر هذا الفعل الكالح؟ وسوف يجيبك النقاد المرهفون أو الضواري بإجابات متباعدة: 1 أن صاحب الغبطة الشاعر كان يشك شكا عبقريا وكما قيل: (العبقري الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا) فى أن معظم مستمعيه لا يفهمون شعره، وهو يحاول بغلظة الصوت وارتفاعه ان يدس الكلمات ومعانيها فى آذانهم دسا امتثالا لرأي الجاحظ. 2 أنه -لا فض فوه- يعتز بشعره اعتزاز الأم بطفلها أو الأعمى بكلبه أو الغواص بمحاره.. لذلك لا يستطيع، وهو يثقب المحار، ويرى اللؤلؤ متناثرا.. إلا أن يستنفر أوداجه كلها وهو يقرأ: وتركك فى الدنيا دويا كأنما تداول سمع المرء أنمله العشر 3 أرجو لك صبر سيزيف وأنت تسمع ناقد (ما بعد الحداثة) وهو يقول: إن اشتعال المصابيح البنفسجية فى الليل الأزرق يجعل الفجر متغطرسا مثل الشاعر الذي تنطفئ جميع الكواكب عندما تشتعل معانيه فى سماء اللغة، لغة لا تقول شيئا ولكن فاعلات، مستفعل، فى ارتطام.