إذا كان مبررا للمبدع أن ينحاز إلى السرد لأنه كما يقولون هذا زمن الرواية..فما هو مبرر انحياز الناقد إلى الاهتمام نقديا بالسرد وإهمال القصيدة !! هل تشكي القصيدة جفوة النقاد. وهل الناقد أصبح يتفاعل مع مايحقق له الوهج الإعلامي. هذه التساؤلات يجيب عليها الشاعر فادي الخلف يبرر انحياز الناقد للسرد فيقول: قد يكون ذلك عائدا إلى جدة النص السردي في الثقافة العربية مقارنة بالشعر، أو لنقل أن الشعر قد تم تناوله على مدى مئات السنين بما لم تنله النصوص السردية، فلم تحظ بما حظي به الشعر من احتفاء من ضمنه النقد. وعليه قد يرى الناقد أن النص الشعري المعاصر، لم يعد فيه ما يكتشف منذ أن تخلى عن كونه (ديوان العرب) لم تعد هناك تجارب تستحدث، وتستحق عناء تتبعها. وهذا في رأيي المتواضع قد يكون نتيجة لمرحلة سابقة من النقد كانت تؤكد أن الكبار الذين كتب عنهم آنذاك، لن يتكرروا، وأن الشعر توقف عندهم. وان التجارب الحالية لا تعدو أن تكون تقليداً وذوبانا في النماذج الكبرى. السؤال: هل الشعر، ويتبعه نقد النص الشعري، قد توقفا عند نصوص البياتي وأدونيس والسياب ودرويش، ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا الشعر الذي يستثير قلم الناقد.؟ أضف لذلك أن الانتشار الواسع للمنتج السردي جعل نقد السرد في تماس أكبر مع القراء، من نقد الشعر. وهذا الانتشار الواسع للسرد قد يعد شهادة من القراء (وإن بشكل كمي) لصالح السرد. اما الناقدة خلود الحارثي فتقول: سؤالك يحمل إجابته فيه، وكيف سيتجه النقاد لنقد قصيدة لم يكتبها المبدع، وإن مادة النقد هي ما ينتجه المبدع فإذا أنتج سرد فهو مادة النقد وإن كان شعراً فهو مادة النقد، ومادمنا في زمن السرد فمن حق الناقد أن يواكب هذا الزمن السردي ويتفتق على مستوياته ومناهجه وطرقه الشائقة خاصة مع توفر نصوص سردية تستحق هذا الخوض في غمارها، وكل ذلك لا يعني انصراف النقاد عن القصيدة فالقصيدة الممتازة تجذب الناقد من تلابيب ذائقته إليها حتى لو كنا في زمن السرد. ربما مايدعو لهذا السؤال هو تسيد القصيدة واستئثارها بالنقد في الثمانينات وبداية التسعينات عندما كانت تحمل شعلة التيار الحداثي، بعد ذلك أخذ السرد يشد الذائقة إليه بنصوص سردية مميزة. وعلى العموم وفي أي زمن فإن الأعمال المبدعة لا يستطيع أحد إهمالها سواء كانت سرد أو شعر. وترى الشاعرة منال العويبيل ان شعبية الرواية تجذب الناقد للتعاطي مع السرد: بدءا لابد أن نقر أن هذا الانحياز لاينحصر في المبدع أو الناقد بل شمل المتلقين على اختلاف ثقافاتهم في توجه أشبه ما يمكن وصفه بانجذاب حقيق فخخه السرد وخاصة الرواية بعوامل تختزل بمفهوم: الشعبية (بمعنى شعبيتها عند الجمهور). فنحن لانستغرب ممن يمكن وصفهم بمجافي القراءة لو تحمسوا لقراءة رواية جديدة صنعت لها صيتاً في آونة ما. فلم لا يمكن القول أن (س) من النقاد واحد من أولئك الممسوسين بفتنة السرد، وهذا بالطبع لا يلغي غواية الآداب الأخرى بتاتاً لكنه يفتح السؤال عن انحسار الشعبية عنها. من جهة أخرى يوفر السرد - في رأيي - نطاقاً فضفاضاً للناقد يتيح له تفعيل أدواته النقدية على مساحة أوسع، إلى جانب حرية تمكنه من الانتقائية فيما يرغب تسليط رؤاه عليه وفي نسق يشبه زفيراً طويلاً يأتي كرديف لشهيق قراءة المتلقي، مما يجعل الناقد أحياناً يتحفز لمهمته التي قد يرقى فيها لمرتبة مفسر الحلم / السرد. أيضاً لا غرو أن ركب الرواية / الشعرية جعل الناقد الذي قد عني بالشعر في فترة ما يجد نفسه إزاء قصيدة بشكل أو بآخر، بما لايلغي الخصائص السردية التي حققها المبدع في نصه، فهل هذا يعني أن الشعر ينأى عن روح السرد ؟ كذلك لا يمكن الجزم. الحاصل حالياً أمر لا أظنه يحد بفكرة «تزمين» الآداب فتصبح التوجهات محكومة بسائد ما، بقدر ما أن الإبداع عامة يحمل روحاً بإمكانيات شبه أسفنجية(لكن بوعي) تتشرب ما تألفه ووافق شنه طبقاً ما في نفس يعقوب/ المبدع، وتنبه له ذكاء ناقد.