ماذا تعني ثقافة الاختلاف؟. سؤال يطرح نفسه في المشهد الثقافي، ومحاولة الإجابة عليه تمثل سمات وكينونة المثقف أو الكاتب أو الناقد أو الباحث أو المفكر في شتى مجالات المعرفة، بل إن السؤال يتضمن كشفا لما تحمله الذات من وعي متقدم وواقع في الكتابة والفكر، وفي أحيان يصل وعي الكاتب عن الاختلاف إلى مثال أنطولوجي يمارس واقعا أصيلا بقدر ما يحمل نظرا وفكرا، وهذا ما نجده لدى الدكتور سعد البازعي حيث يتحقق مفهوم نظري عن الاختلاف كثقافة إلى جانب فهم ظاهرة الاختلاف الثقافي كموضوع مما يعني وصول القارئ إلى درجة من الانسجام وتلقي متفاعل لما يطرحه بين المعنيين الذاتي والموضوعي. وبفضل هذا الانسجام والتفاعل يصل القارئ إلى تمييز بين ظاهرة وذات واعية مع إدراك سر التفاعل بينهما، وهذا ما نلاحظه في كتاب البازعي (الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف) الصادر من المركز الثقافي العربي، وليس ذلك الكتاب إلا مثالا لما يحمله الدكتور سعد البازعي من تقدير للاختلاف على المستويين النظري والعملي، ونقول مثالا لأن كتبا أخرى له تأليفا وترجمة تحقق أيضا ذلك المنحى الإيجابي. وعندما نتحدث عن تقدير ووعي الاختلاف لدى البازعي فإن الأمر لا يقتصر على ما كتبه بل يتضح من خلال حياته ونشاطه وعلاقاته ودوره أكاديميا وفي الشورى ومبادراته مما يعني أننا نؤكد فعل تقدير الاختلاف ووعيه في حياته الفردية وفي إسهامه الجمعي. وبالنسبة للمبادرات فقد كان له الفضل نحو تأسيس حلقة الرياض الفلسفية أثناء فترة رئاسته للنادي الأدبي بالرياض، وبشكل مماثل قاد بفاعلية الملتقى الثقافي في جمعية الثقافة والفنون، فهذا الملتقى يعتبر نموذجا للتنوع الثقافي والفني والفكري، وبفعل أمثال تلك المبادرات أسهم فعلا في حراك ثقافي متميز ليس بمضمونه فحسب بل بما يبثه من روح التقدير بين رواد المجتمع الثقافي. وفي كل محفل ثقافي ومناسبة يدرك كل من عرف البازعي ما يحمله من تقدير للآخرين وأولهم من يختلفوا معه، وهذا بفعل ما يملكه من حس نقدي ووعي نقدي متقدم يتصلان بقيم إنسانية عالية، وأما الجوائز التي حازها إن هي إلا جزءا مما يستحقه لأن ما أسهم به وحققه في الحياة الثقافية والفكرية والأكاديمية يفوق ما تعنيه تلك الجوائز. ** **