عندما كتبت مقالاً عن جمود الروايات الكلاسيكية، لامني البعض على هذا الرأي معتبرين أن في ذلك انحيازاً واضحاً، بل ظن عدد من الذين بعثوا لي برسائل التعقيب على المقال أنني أقصيت الرواية الكلاسيكية من المشهد الأدبي أو كدت أفعل. لذا لزم التوضيح من خلال مقال آخر أُبين فيه رأيي بشيء من التفصيل، فحين قلت إن الروايات الكلاسيكية جامدة كنت أقصد تناولها على الغالب لطبيعة الحدث والقصة والحبكة الدرامية فحسب، دون الإطالة في سردٍ يتعقب الشخصية الإنسانية ويبرز مكامن الغموض فيها كما تفعل الرواية الحديثة التي تركز على التحولات الشخصية والتناقضات التي تضج بها النفس البشرية، وهذا لا يعني بالضرورة أنها الأفضل ولكنها تمس جوانبنا الإنسانية وتحرّضنا على قراءة المشهد الواقعي أكثر من مرة وبأكثر من عقل. وحتى أكون منصفاً فإن هذه السردية والإبحار في تحليل الشخصية الإنسانية قد أدى إلى إضعاف الرواية الحديثة من حيث الحبكة والبناء الهيكلي للرواية مما يجعل غالب الروايات الحديثة تبدو كسيرٍ ذاتية لا تحمل «قصة» بالضرورة، أو ربما تكون مليئة بالأخطاء وذلك نظراً لاندفاع الكاتب وراء السرد والتحليل لكل حدث مما يقلل كمية الأحداث ويخفي القصة من المشهد الروائي. حتى أن البعض كان يقول إن الروايات الحديثة مجرد ملاحم شعرية لا أكثر، وزاد البعض بالقول إنها استعراض للعضلات اللغوية فقط، وهذا بطبيعة الحال رأي متطرف أكثر من رأيي بخصوص الروايات الكلاسيكية التي لم أبخسها حقها في تكوين النسق الروائي. لذلك أعيد وأكرر أن الرواية الكلاسيكية خالية من التفاعلات الإنسانية كما أن الروايات الحديثة تفتقد للبناء الدرامي الواضح والمحبوك، وسيظل المشهد الناقص يراوح بين النسقين وللنقاد المتخصصين أن يكتشفوا ذلك. ** **