لا تزال تعج بأصداء احتكاك دواليب العربات المارقة.. الشوارع الفرعية في المدينة الفارهة بعمارها, الأفعوانية طرقها, الكثيرة منعطفاتها «الرياض» أم المدن, التي تقفز أقدامها عن الحناء, بإيقاع خلاخيلها المزخرفة, التي تمتد شمالاً كأنها الأعناق في أجساد الخيول, التي تنتشر بيوتها وفنادقها, وأجنحة سكناها كأنها النجوم تتلألأ, التي تقاوم التراب في هياج الريح بزخات دِيَمِها, وتصد الحرارة عن صفيح الأجساد بنخيلها, التي غدت في مضمار التنافس راكضة نحو النهاية, الفائزة بسبق الاجتياز في مشاوير العَدْو.. «الرياض» التي اتسع مطارها, وكثرت مشاريعها, وتلوّنت أزياؤها, وتنوّعت أطباقها, وتقلمت أظافر المختبئين في نسيجها, وتطهرت من كلح النفوس في خباياها.. «الرياض» التي فوق الكفوف ماسة, وفي العيون كبد هو الثرى, والماء, والفضاء, والسور, والنفوس, والسقوف.. هذه الرياض لا تزال تفز من نومها العيون فيها على صوت احتكاك عربات العابثين بالمركبات في شوارعها الخلفية.. لا يزال فيها الخائفون على أسوار بيوتهم, وعرباتهم المصطفة جوارها, وصغارهم الخارجين عن أبوابها.. لا يزال الساكنون فيها ينتظرون اختفاء هذا العبث, وتبدُّد هذا الهدر, والحلَّ لهذا المروق الفارط.. «فالمفحطون» في هذه المدينة لا يزالون يشوّهون كل هذا الذي يصنعه المجتهدون لأجلها, فوق كل ذرة من ترابها, ولكل نقطة في مداد اسمها.. «المفحطون» يجرحون الجمال فيها.. فمن يطمس هذا القبح الذي يشوّه هذه الجميلة, ويريق عصارة البنائيين منافها, الموطدين دعامات جذورها؟!..