لم أقرأ أو أسمع أو أشاهد في حياتي من يدمر ما يحب، أو يهدر ما يملك، إلا غير العاقل، وحتى المجنون أحياناً يعي حاجياته الأساسية، وقد قيل في المثل العامي: «كلٍ بعقله راض إلا بماله.. لا»، ويقولون: المال «عديل الروح» أي يعادل الروح، وحتى المبذرون لا يصرفون أموالهم إلا فيما يعتقدون أنه يجلب الخير أو السعادة لهم. وعطفاً على ذلك فإن هناك فئة في المجتمع هم مجانين العقلاء، يهدرون أموالهم، ويخربون ممتلكاتهم، وهم في كامل قواهم العقلية، وليت الأمر يقتصر على ذلك، ولكنهم يهلكون أرواحهم، وأرواح غيرهم، هؤلاء هم المفحطون، وقد شاهد الكثير، الكثير من المآسي التي خلفتها هذه الظاهرة من تدمير للسيارات، وإزهاق للأرواح، ورغم مشاهدتهم فظاعة ما يحدث، ورؤيتهم الأجساد تتطاير في الهواء، والأشلاء تتناثر في قارعة الطريق، إلا أن ذلك لم يكن له التأثير البالغ على أنفسهم، أو خوفهم مما يحدث، فلقد تبلدت حواسهم، عن إدراك مأساة ما يقومون به، وصمّت آذانهم عن سماع النصائح والإرشادات، وعميت أعينهم عن فظاعة تلك المشاهد المقززة للنفس الإنسانية العاقلة. إن شخصية المفحط تشكلت من مجموعة العوامل النفسية والاجتماعية السيئة، التي أدت إلى وجود خلل في شخصيته، فهو يرغب في جذب الانتباه إليه، لأسباب نفسية تتعلق بخلل في تربيته، ويرغب أحياناً في الانتقام من الأسرة والمجتمع بسبب ما تعرض له من فشل في حياته كما يعتقد، أو لتعرضه لمعاملة سيئة في حياته، أو لعدم قدرته على الانسجام مع نظام المجتمع، والعادات والتقاليد، أو قد يعود ذلك إلى أسباب غير معروفة. ولا يقف الأمر على المفحط، بل إن هناك من يؤيده ويشجعه، ممن يحضر حفلة التفحيط، فالتجمهر هو دعم للمفحط، وشهادة معنوية، أو إجازة لما يقوم به من تخريب، والغريب في الأمر أن المتجمهرين يصرون على مشاهدة الحفلة رغم مشاهدتهم مقاطع فيديو راح ضحيتها الجمهور، ولا أعرف مدى المتعة التي يعيشها هؤلاء وهم يشاهدون التفحيط، ويشمون رائحة الإطارات المحترقة النتنة، ويسمعون أصواتاً نشازاً بفعل التفحيط، ولكن كما يقال: وللناس فيما يعشقون مذاهب! ينشط المفحطون في أوقات معينة من الليل، وفي مواقع حرجة في الأحياء الداخلية للمدن والقرى، وعلى الطرق السريعة. كما ينشطون في فترة الاختبارات، وكم من طالب مفحط لقي حتفه خلال هذه الفترة، وكم من طالب بريء قضى نحبه. ونحن مقبلون بعد يومين على موسم الاختبارات، فقد شمر المفحطون عن سواعدهم انتهازاً لهذه الفترة لممارسة هواياتهم، وقد يقوم الطلاب أنفسهم بعد أداء اختباراتهم، أو غيرهم بالتفحيط أمام المدارس أو بالقرب منها. ورغم ما يبذله رجال المرور والدوريات الأمنية من جهود، بالتعاون مع مديري المدارس، إلا أن المفحطين يتحينون الفرصة لممارسة هوايتهم المهلكة، فكم من أسرة فقدت ابنها وهو في عمر الزهور، أثناء ذهابه للمدرسة أو بعد خروجه منها. ورغم كل الجهود المبذولة لاحتواء هذه المشكلة، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال تحتاج إلى مزيد من الجهود، ومزيد من الحزم تجاه هذه الفئة المستهترة بأرواح الآخرين، فلابد من تكامل الجهود بين الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، والمسجد، والجهات الأمنية المعنية، ولا بد من تناغم الحلول بين التوعية، والعقوبة، والمناصحة، وإعداد الدراسات والبحوث، وطرح طرق العلاج اللازمة للحد من هذه الظاهرة، فمهما يكن الأمر فالمفحطون هم أبناؤنا وإخواننا، وقد نكون أحرص منهم على مصلحتهم أحياناً.