لستُ مع المتخوفين بشدة الذين يطالبون بالتريث قبل الانطلاق في استقبال السيَّاح ومنحهم التأشيرات، إلا بعد عقد دورات تأهيلية للمتعاملين معهم باستخدام منابر الإعلام والمساجد والمدارس لتهيئة السعوديين على رؤية سياح أجانب قادمين لبلادهم للاستمتاع وقضاء بعض الوقت (كرافد اقتصادي وداعم مالي جديد)، وتصويرنا وكأنَّنا في معزل عن الناس لا نجيد التعامل معهم خارج الدائرة الضيقة للعامل الأجنبي ورب العمل السعودي، وإن كنتُ مؤمناً بأنَّ نجاح السياحة في أي بلد، تكمن في مقومات عدة من أهمها تكامل البنية التحتية، وطرق تعامل أهله مع الضيوف من الخارج -ونحن لا نقبل المزايدة في هذا الأمر- فبحمد الله في هذه الأرض المباركة شعب مضياف منذ مئات السنين، ولسنا حديثي عهد بقدوم الآخرين ومشاهدتهم في بلادنا، لناحية ملايين المسلمين الذين يقصدون مكة والمدينة للعمرة والزيارة والحج من مختلف الثقافات واللغات والأجناس، ولا لناحية احتضان بلادنا لأكثر من 12 مليون ضيف عامل بكل احترام، لتحقيق أحلامهم فيها -في أحدث تقرير للأمم المتحدة- تم تصنيفنا البلد الثاني عالمياً بعد أمريكا مقصداً للمهاجرين (العاملين), وهذا بالتأكيد لا يتعارض مع ضرورة وجود أنظمة سياحية واضحة وتدريبات تضمن خدمة السائح ورضاه. في بلادنا الكثير من مقومات السياحة البرية والبحرية والآثار وغيرها، ولدينا التنوع المناخي الذي يجعلها مقصداً للكثير من السياح الحقيقيين الباحثين عن المتعة والجمال والاستمتاع بخصوصيات الأجواء السعودية البكر وتسجيل الأولوية في زيارتها، وهذه فرصة كبيرة جداً لخلق فرص استثمارية ووظيفية للمواطنين ورجال الأعمال، بكل تأكيد لا يمكننا جعل البنية التحتية لكل هذه المواقع السياحية جاهزة في يوم وليلة -رغم أن هيئة السياحة والتراث الوطني- تعمل منذ وقت مبكر وسنوات طويلة على تهيئة كل الظروف حتى وصلنا إلى هذا اليوم التاريخي الذي يتم فيه منح مواطني العديد من البلدان (الأوروبية والأمريكية والآسيوية) تأشيرات إلكترونية للسفر وزيارة السعودية بغرض السياحة، ضمن اشتراطات بسيطة على الأقل في المرحلة الأولى من هذا المشروع، وحتماً ستتطوَّر الأمور أكثر عندما نمارس السياحة كصناعة حقيقية في بلادنا, يتفرغ لها الشباب السعودي كلياً وينخرط فيها، ويؤمن بها كمصدر رزق وعمل، وترصد لها الميزانيات من القطاع الخاص للاستثمار بكل جرأة وحماس مع تسجيل العائدات، وطالما أنَّنا بدأنا المشوار للانطلاق نحو هذا الهدف، فسنصل له حتماً بشكل مرضي وممَّيز وحديث، لتلبية كل المتطلبات لاستقطاب أفواج السياح وإنجاح هذا المشروع. لا يجب أن نتحسَّر على السنوات الطويلة التي فاتتنا وجعلنا فيها السياحة في بلادنا قيمة اقتصادية مفقودة، ولنجعل الفرصة السانحة أمامنا الآن نقطة تحول حقيقية وتكاملية بين الحكومة كمشرِّع ومراقب، ورجال الأعمال كمستثمرين ومنظمين، والمجتمع كبيئة حاضنة ومحيطة مرحبة بالسياح بشكل حضاري، ملاحظة أخيرة - يعد السعوديون من أكبر المستثمرين في المناطق السياحية حول العالم والزائرين لها في نفس الوقت -وهو ما يعني قدرتنا على تجاوز كل الصعوبات والعقبات المحتملة، واستعدادنا لاستقبال السياح وفهم نفسياتهم واحتياجاتهم والتعامل معهم بكل ترحاب وتقبل. وعلى دروب الخير نلتقي.