مع كل موسم أو إجازة تتكرر مشكلة السياحة في دول مجلس التعاون الخليجي ونظل نسمع عن الآثار المترتبة على إنفاق المليارات من الدولارات في الخارج على السياحة، إلا أن دول مجلس التعاون لم تتحرك حتى الآن بشكل جماعي وجاد لوقف نزيف السياحة الخارجي، وكل ما شاهدناه هو محاولات منفردة من قبل كل دولة على حدة،لمحاولة التخفيف من هذا النزيف.. ان صح التعبير.. وقدرت دراسة حديثة صادرة عن اتحاد غرف دول مجلس التعاون إنفاق الخليجي على السياحة الخارجية ما يعادل 27 مليار دولار أمريكي وسجل السعوديون 4.8 مليون رحلة سياحية إلى مختلف دول العالم في عام 2002م، واحتلت الإمارات المركز الثاني من حيث عدد الرحلات السياحية حيث بلغت 1.8 مليون رحلة ثم الكويت 1.3 مليون رحلة تليها البحرين 400 ألف رحلة دولية، ثم قطروعمان وسجلتا مجتمعتين 700 ألف رحلة دولية. وأضافت الدراسة أن عدد الليالي التي شغلها الخليجيون في الفنادق العالمية بلغت نحو 200 مليون ليلة، وكان نصيب السعوديين منها 108 ملايين ليلة، يليهم الإماراتيون 38 مليوناً، والكويتيون 31 مليوناً، ثم البحرينيون 5 ملايين ليلة، وبقية الدول الخليجية مجتمعة 19 مليون ليلة. وبحسب الدراسة فإن رقم ال 27 مليار دولار لا يمثل سوى 5.6 بالمائة من إجمالي العائدات العالمية من السياحة في عام 2002 والبالغة 476 دولارا بحسب تقديرات المنظمة العالمية للسياحة، فإن إنفاق الخليجيين خلال جولاتهم السياحية في الغرب- رغم قلة عددهم- يعد الأعلى، مقارنة بالجنسيات الأوروبية نفسها. وتذكر المنظمة العالمية للسياحة أيضاً أن متوسط إنفاق الفرد الخليجي في رحلته الخارجية عام 2002 يبلغ حوالي 1814 دولاراً بمعدل إنفاق يقدر ب 135 دولاراً لليلة الواحدة، متجاوزاً بذلك إنفاق الفرد الأوروبي الذي يبلغ 836 دولاراً للرحلة بمعدل إنفاق بلغ 88 دولاراً في الليلة الواحدة، وهو ما يغري المؤسسات السياحية الغريبة بأن تعمل كل ما في وسعها لكي تكون أوروبا وجهة الخليجين السياحية سنوياً. ويبذل الغرب جهوداً كبيرة للحفاظ على تدفق أموال السياحة الخليجية في ظل توقعات منظمة السياحة العالمية بتباطوء النمو في النشاط السياحي في ظل الركود الاقتصادي ولعل أهم الدول المتأثرة بانخفاض النمو في النشاط السياحي هي دول أوروبا التي تعد واحدة من أبرز مناطق السياحة في العالم، وتستحوذ على نحو 56 بالمائة من إجمالي عدد السياح حول العالم.. ورغم التدفق السياحي الخليجي إلى الخارج فإننا إذا نظرنا إلى دول الخليج سنجد أن لديها القاعدة اللازمة لصناعة سياحة حقيقية ما فهي تمتلك مقومات سياحية عديدة تؤهلها إلى أن تكون واحدة من مناطق الجذب السياحي العالمية. ففي المملكة هناك الأماكن الدينية التي تستقطب أكثر من مليوني حاج في موسم الحج وعدة ملايين على مدار العام لأداء العمرة وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمواقع الدينية بالمدينة المنورة والحجاز عموماً، بالإضافة إلى مناطق طبيعية عديدة في أبهاوعسير تضاهي نفس الطبيعة الأوروبية، كما تمتلك عمان مقومات هائلة تتوافر في القلاع والحصون التاريخية، وكذلك الحال في الإمارات حيث الحداثة والعمران والشواطئ، والأمر نفسه يتوافر في الكويتوقطر. وتظل تجربة البحرين في الانفتاح مبكراً على العالم جديرة بأن تدفعها سياحياً إلى الإمام. وبالرغم من أن ما تملكه دول مجلس التعاون من مقومات فإن 80 بالمائة من حركة السياحة يخرج من دول الخليج إلى وجهات سياحية خارجية متعددة خصوصاً في موسم الصيف، وهذا ما يدفعنا إلى ضرورة تشجيع السياحة الخليجية البينية في الصيف، والسؤال هو: ما الذي يدفع السائح الخليجي إلى السفر إلى وجهات سياحية خارج منطقة الخليج، والإجابة بكل بساطة: أن تشابه الفعاليات والنشاطات التي تقام صيفاً في دول الخليج لا تشجع الخليجيين على البقاء، وهو ما يحتم على دول الخليج التنسيق فيما بينها، وعلى سبيل المثال في سلطنة عمان هناك مهرجان صلالة الذي يقام في جو ربيعي يتناسب مع طبيعة المناخ في هذا الوقت، لكن هناك في هذه الفترة مهرجان صيف دبي، ومهرجانات عسيروأبهاوجدة في السعودية، فلماذا لا يحدث تنسيق بحيث يتاح للسائح الخليجي التنقل بين دول المجلس والاستمتاع بفصل الصيف بدلاً من الذهاب إلى الخارج خصوصاً أن دول الخليج تتميز بعادات وتقاليد متشابهة؟ صحيح أنه حتى أوائل التسعينات باستثناء دبيوالبحرين لم تكن الحكومات في الخليج تولي اهتماماً لقطاع السياحة لاعتبارات عديدة جعلت من الصعب أن تضع منطقة الخليج على خارطة السياحة العالمية، إلا أن على دول الخليج أن تولي اهتماما بالسياحة، وأن تعمل على إدارج السياحة كنشاط اقتصادي أساسي وأن تأخذ اهتماماً أكبر في دول مجلس التعاون نظراً لوجود الإمكانات، حيث تسهم السياحة اليوم ب 4 إلى 5 بالمائة من الدخل الوطني في دول الخليج، وإذا قارنا بين حجم الاستثمار في القطاع السياحي وبين حجم الاستثمارات الصناعية بما يقدمه كل استثمار لتوفير اليد العاملة نلاحظ أن الفرص التي أوجدها قطاع الصناعة صغيرة جداً بالمقارنة مع الاستثمارات التي تم توظيفها فيه أما في قطاع السياحة فالوظائف أكثر بكثير. وبنظرة .. إلى واقع السياحة في الخليج تجعلنا في حيرة شديدة، فالمهرجانات السياحية كثيرة، فكل دولة تقيم مهرجانا سياحياً، مما جعل السائح نفسه في حيرة، إلى أين يذهب؟ وهذا التزامن للمهرجانات السياحية سواءً داخل الدولة الواحدة أو بين دول مجلس التعاون أضر بالسياحة وجعل الكثير يتجه إلى خارج منطقة الخليج طلباً للراحة والاستجمام. وإن أبرز العقبات التي تعترض الجذب السياحي الخليجي هي انعدام التنسيق السياحي بين دول الخليج، فكل دولة تروج منفردة لمقوماتها السياحية في الخارج، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن هذه الدول دخلت في منافسات فيما بينها لاجتذاب السائح الخليجي نفسه، ومع ذلك لم تفلح هذه المنافسة في وقف نزوح السائحين الخليجيين إلى مختلف البلدان في العالم، وهذا لا يفيد أية دولة خليجية بعكس لو جرى الترويج السياحي لدول الخليج ككل باعتبار الخليج إقليما سياحيا واحداً. وتؤكد الدراسة أنه لا مفر أمام دول الخليج من التنسيق بين الجهات السياحية الخليجية والترويج السياحي المشترك من منطلق أن الخليج إجمالا يعد وجهة سياحية متكاملة ومتنوعة واحدة في الوقت نفسه، فكل دولة خليجية لديها خطط للتنمية السياحية ولديها منتجها كما أن لديها مقوماتها السياحية التي تختلف عن المقومات السياحية للدول الأخرى. وبما أننا في منطقة جغرافية واحدة ونستهدف الزوار والسياح من كافة دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه يتعين علينا التنسيق فيما بيننا والترويج المشترك، خصوصا أن السياحة الخليجية تمر بمرحلة انتقالية صحية تتمثل في التحسن الملحوظ في البنية الأساسية. ومن المتوقع أن يبلغ النمو السياحي أعلى مستوياته خلال السنوات القليلة المقبلة، كما أن ذلك يتطلب من دول المنطقة تعزيز الإجراءات التي تؤدي إلى حدوث نمو إقليمي متوازن والمزيد من الاستثمار في تسويق العطلات والإجازات والترويج السياحي، كما نعول أهمية على توحيد الجهود الخليجية للتسويق السياحي، ويمكن أن يعهد للتسويق السياحي الخليجي المشترك إلى شركات سياحية خاصة دولية ومحلية ، وذلك في ضوء تجربة دبي السياحية. وحسب الإحصاءات المتوافرة فإن عائدات السياحة في دبي تجاوزت في العام 2002م 4.5 مليار درهم فيما تجاوز عدد السياح 3 ملايين سائح . وتعتبر السياحة في الوقت الحاضر أهم نشاط صناعي في العالم حيث تحقق عائداً يصل إلى أكثر من 500 مليار دولار سنويا ويعمل في هذا القطاع أكثر من 125 مليون شخص في المجالات السياحية المباشرة وغير المباشرة ويقوم سنوياً أكثر من 690 مليون سائح بالتنقل من مكان إلى آخر من أجل السياحة في بلده أو السفر إلى بلد آخر لهذا الغرض. وبلغ دخل بريطانيا من السياحة في عام 2002م أكثر من 76 مليار جنيه إسترليني، وذكرت إحصائية رسمية أن بريطانيا لاتزال تحتل المركز السادس ضمن قائمة الدول الأكثر استقطاباً للسياح في العالم ويقدر عددهم بأكثر من 26 مليون سائح في العام فيما يصل عدد العاملين في القطاع السياحي في بريطانيا إلى حوالي مليوني موظف يشكلون 6 بالمائة من حجم القوى العاملة في بريطانيا.وبلغ عدد السياح الذين زاروا الصين عام 2002 حوالي 89 شخصا وبلغ دخلها من السياحة 18 مليار دولار وبلغ دخل أوروبا مجتمعة عام 2003 الماضي 260 مليار دولار.وتؤكد الدراسة أن على دول الخليج إذا كانت جادة في البحث عن بدائل لمورد النفط فإن السياحة هي البديل الاستراتيجي وعليها أن تعطي الاهتمام الأكبر والدعم الأوفر لهذه الصناعة النظيفة وذلك لكونها المستقبل الواعد، وهي الدخل القومي الواعد والداعم لاقتصاداتنا التي لن تنتهي، وهذا يعني أن السياحة تعد وبدون منازع قاطرة التنمية الاقتصادية والطاقة الناقلة الوافدة وهي ليست خياراً فحسب بل قضية واقعية وهي ليست شرفاً بل صناعة متكاملة وأساسية وضرورية لمساندة الدخل القومي لكل شعب. مقومات سياحية متعددة لم تستغل بالشكل الأفضل