يتأثر المشهد الأدبي والثقافي بالتشريعات والممارسات التقييدية المفروضة في العالم العربي بشكل خاص، حيث إن الرقابة غالبا ما تهدف إلى وقف نشر أو توزيع أي محتوى يعتبر حساسا سياسيا أو اجتماعيا أو دينيا. وهكذا تلعب سلطة الرقيب دورا حاسما في ديناميات أنشطة النشر والتوزيع في المشهد الأدبي العربي عامة والسعودي خاصة، حيث تفرض الرقابة عددا من القيود على الكتب والمخطوطات للأعمال الأدبية، فضلا عن الصحافة والإذاعة والتلفزيون. ويمكن القول إن هذا التقييد رسم شكلا خاصا للمشهد الثقافي السعودي ودفع الكتاب السعوديين إلى اللجوء إلى طرق بديلة مختلفة لنقل ما يودون قوله، مما يؤدي بهم إلى الكتابة بحساسية خاصة تضمن لهم تجنب الصراع المباشر مع السلطة. ومن الجدير بالذكر أن بعض الكتاب السعوديين استخدموا أسماء مستعارة لتجنب ردة فعل السلطة أو الرأي العام. على سبيل المثال، بعض الروائيات السعوديات كتبن بأسماء مستعارة كصبا الحرز التي كتبت (الآخرون) (2006)، ووردة عبد الملك مؤلفة (الأوبة) (2006)، وطيف الحلاج مؤلفة (القران المقدس) (2006). كما فعل ذلك أيضا شيخ الوراقين، مؤلف رواية (عيال الله) (2007). جميعهم كانوا يرغبون في حماية هوياتهم الحقيقية لأن أعمالهم تناقش علنا القضايا الجنسية والدينية والسياسية التي تعتبر غير مقبولة في عرف المجتمع المحافظ. وقد لوحظ أيضا أن فئة أخرى من الكتاب السعوديين لجأت إلى الكتابة بلغة معقدة ورمزية واسعة النطاق لمناقشة القضايا الاجتماعية والثقافية الحساسة بشكل يمكن أن يكون بمثابة الحجاب، مما يجعل المعنى غامضا لا يسهل على القارئ العادي الوصول إليه، كما في روايات رجاء عالم على سبيل المثال. من ناحية أخرى، هناك بعض الكتاب السعوديين اختاروا تحدي الرقيب بطريقة جريئة علنا. لكن تلك الأعمال الأدبية التي تنتقد الخطاب المتطرف والتقاليد الاجتماعية، أو تصور وتناقش مشاهد الثالوث المقدس من المحرمات: الجنس والدين والسياسة تخضع للرقابة والحظر في المملكة العربية السعودية وبعض الدول الخليجية. وبالتالي، فإن العديد من الكتاب السعوديين كانوا ومازالوا يميلون إلى نشر كتبهم في القاهرةوبيروت من أجل الحصول على توزيع وانتشار أفضل. على سبيل المثال، تم منع روايات غازي القصيبي –رحمه الله- من الدخول إلى المملكة العربية السعودية حتى عام 2010. وكان هذا هو الحال بالنسبة لروايات منيف، الحمد، خال، المحيميد، حفني، الجهني والبشر لأنها كانت تشكل تهديدا كبيرا للأيديولوجية الأبوية المهيمنة. ووفقا لباسكال كازانوفا (2004، ص 110)، فإن الكتاب الذين يجدون أنفسهم «على خلاف مع قوانين فضائهم الأدبي الأصلي، يلجؤون إلى الساحة الدولية لتوفر فضاء بديلا، يصبح الكتّاب فيه قادرين على شق طريقهم خارج وطنهم». وتؤكد كازانوفا أيضا أن «الكتّاب الذين يسعون إلى مزيد من الحرية لأعمالهم هم أولئك الذين يعرفون جيدا قوانين الفضاء الأدبي العالمي». وقد ينطبق هذا التحليل على الروايات السعودية التي نالت استحسانا كبيرا في المشهدين العربي والعالمي، والتي ظهرت فقط في الفضاء الأدبي الدولي عندما نشرت خارج المملكة العربية السعودية في حين أدت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية (اللغة المهيمنة عالميا) إلى الوصول للقارئ الغربي. على سبيل المثال، نشرت ثلاثية الحمد في بيروت وأصبحت «من الكتب الأفضل مبيعا في العالم العربي». وعلى الرغم من إدانته من قبل الخطاب المتشدد في المجتمع السعودي، وكتبه كانت محظورة رسميا في المملكة العربية السعودية، فإنه كان يُقرأ على نطاق واسع داخليا وعربيا. نعلم جيدًا أن القاعدة تقول: إن كل ممنوع مرغوب؛ لهذا حققت كثير من الروايات السعودية المحظورة رواجا واسعا ووضعت في قائمة الأكثر مبيعا عربيا مما خلق إشكالية على مستوى الإبداع والتلقي معا. فقد خلقت الرغبة في تحدي سلطة الرقيب حالة من الفوضى في المشهد الثقافي السعودي، وساهمت في ظهور روايات تبحث عن الشهرة دون مراعاة للشروط الفنية للرواية. وتسابقت دور النشر الخارجية في تلقف نصوص الجيل الجديد من الكتّاب السعوديين والكاتبات بحثا عن الربح السريع الذي غالبا يزداد بعد قرارات المنع لتلك الروايات التي ركزت على تناول المسكوت عنه في المجتمع السعودي بعيدا عن الاهتمام بالشكل الفني واللغة الأدبية. وظن النقاد أن موجة المنع انحسرت بعد منتصف الألفية الثالثة وأن الرقيب أصبح أكثر وعيا بمعطيات العصر التقني الجديد الذي لم تعد سياسة المنع تتوافق مع الانفتاح الثقافي الذي تعيشه المجتمعات العربية في العقدين الأخيرين، ولكن خابت الظنون بعد القرار الأخير الذي أصدرته وزارة الثقافة والإعلام القاضي بسحب رواية الكاتبة بدرية البشر (زائرات الخميس) بعد انتشار بعض اللغط والتعليقات حول محتوى الرواية في منصات التواصل الاجتماعي. وهنا نتساءل: هل جاء القرار بناء على قرار لجنة تم تشكيلها لقراءة الرواية وفحص ما جاء فيها من مشاهد أو مواقف تستدعي المنع وسحب نسخ الرواية أم أن القرار جاء رد فعل سريع لامتصاص غضب الرأي العام على منصات التواصل الاجتماعي؟ وتكمن الإشكالية هنا في أن خطاب السلطة والرقابة والافتقار إلى حرية التعبير يمكن أن يشكل مشاكل خطيرة لوسائل الإعلام والناشرين والكتّاب والمتلقين محليًا وخارجيًا. وعلى الرغم من استمرار سلطة الرقيب، وجد جيل جديد من الكتاب والقراء السعوديين طرقا مختلفة للتغلب على هذه القيود. في الماضي، كانت الرقابة قادرة على ممارسة السيطرة الكاملة؛ ولكن مع ظهور الإنترنت، والهاتف المحمول والفضائيات في الألفية الثالثة تحول هذا الوضع بشكل كبير. حيث تمكن جيل جديد من الكتاب السعوديين الشباب من الاستفادة من هذه التقنيات الرقمية الجديدة ومنصات التواصل الاجتماعي في كتابة ومشاركة ونشر أعمالهم وأفكارهم دون قيود. وهذا أيضا منح الجيل الجديد فرصة المشاركة السياسية، ونشر الأفكار حول حقوق الإنسان وحرية التعبير في أشكال وسائل الإعلام المختلفة. ويبقى القول إنّ الكاتب السعودي يتطلع دائما إلى دعم إنتاجه الأدبي والفكري دعمًا معنويا وماديا، فإن تعذر الدعم المادي من وزارة الثقافة، كان الدعم المعنوي -في أبسط صوره- عاملًا مساندًا يتمثل في الفسح وتشجيع انتشار المؤلفات السعودية وتوفرها للقارئ السعودي والعربي. ولكن ماذا يفعل الكاتب السعودي إن أصبحت وزارة الثقافة هي الخصم والحكم؟ ** **