منذ اندلاع الثورة الخمينية وشيعة العرب في سوادهم الأعظم يرون فى الخميني الفارسي، ملهما وإماما وسياسيا لا يشق له غبار ،حالة من الفصام والفصال يمارسونها مع أنفسهم ومع التاريخ والجغرافيا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة الذي أثقلته وأثكلته الحروب والأزمات. التشيع الفارسي الأعجمي بحضوره الطاغي يمارس وصاية أقرب إلى البابوية وقداستها ،فصكوك الغفران تطبع في قم وتوزع مجانا ولا تباع في صعدة والضاحية ،وولاية الفقيه العمود الفقري للمذهب والطائفة، سقط الحق العربي فيها وأصبحت فارسية المخبر والمظهر ،وحق الاجتهاد اختزلته إيران في رموزها الخمينية الصفوية إلا في بعض المسائل البسيطة التي أعطي حق الاجتهاد فيها للأطراف القصية من المدارس والمحاضن الشيعية في العالم العربي المقصي مساحة وتأثيرا. صحيح أن هناك بعض القامات الشيعية العربية والتي تعتبر مرجعيات في أقاليمها ،إلا أن الصبغة الفارسية يجب أن تكون اللون الأخير الذي يجب على العالم الشيعي أن يرتضيه لنفسه حتى يصبح له موقع على سلم الهيكل التنظيمي لولاية الفقية الفارسية الصفوية . يتبادر إلى الذهن سؤال :لماذا الشيعة العرب وهم أساس التشيع فكرة وحضورا يصرون على التبعية لعرق آخر وقومية أخرى ؟لماذا الشيعة العرب آخر من يعلم ويقرر في أي قضية تدور في المنطقة؟. قبل الإجابة على هذين السؤالين ينبغي التذكير إلى أن الشيعة العرب ومن خلال الأحداث الأخيرة تحديدا يظلون مجرد أدوات يستخدمها الولي الفقيه ليثبت أنه المرجعية الشاملة والمؤثرة التي تهيمن على العالم العربي في أي قطر كان ،فحزب الله اللبناني كانت المقاومة شرعية وجوده واستمراره التي أبقته حاضرا في الساحة اللبنانية ،وعندما تغير مزاج الولي الفقيه في قم أصبح قتل السنة في سوريا أولويته الأولى والتي يتقرب بها إلى الله زلفى ،والحوثيون في صعدة يقتلون أشقاءهم السنة ويسومونهم سوء العذاب مبتغين الأجر والثواب من رب العباد ،كل ذلك بإشراف عقدي وسياسي مباشر من المرشد العام للثورة الخمينية . وبالعودة إلى السؤالين السابقين ،نجد أن جوابهما يكمن في العقلية الشيعية العربية التي ترزح تحت وطأة مؤثرين أساسيين ،الأول المظلومية وهذه لها أساس عقدي يتوارث منذ أكثر من ألف سنة،وهذا ما يجعلهم أسرى لكل التحولات الغريبة التي انبثقت عن هذا الفهم ،ففكرة الخلاص وعودة المهدي تنبع من المظلومية ،وفكرة التوجس والخوف من الآخر تنبع من المظلومية ،وفكرة الحقد والكره واستحالة التعايش مع المحيط القريب تنبع أيضا من المظلومية ومتلازماتها الحضورية دينيا وتاريخيا . الثاني :-الخرافة والدجل وهي صناعة يمتاز بها العقل الشيعي المهيمن المتمثل في الرموز ،وبهذه الخرافة يتم اعتقال الفرد والجماعة وحبسهما في أفكار لا يقبل مناقشتها فضلا عن أن يتخلص منها . هذه الأساليب التسلطية تعتمد على الخرافة وتسويقها لتكون الحقيقة العقدية التي يؤمن بها الفرد والتي لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها لأنها منزلة ومنزهة،مدموغة برواية معممة بالسواد ،بسند منقطع وغير واضح أن تتصل، معصومة من الخطأ والزلل والنسيان . كل هذه الأشياء أغرقت العقل الشيعي العربي فى متاهات من الولائات والأفكار ،وجردته من الاستقلالية فأصبح تابعا بعد أن كان متبوعا ،مأمورا بعد أن كان آمرا ،والغريب أن العقل الشيعي النخبوي متصالح مع هذه الحالة ويراها حالة مثالية للبقاء والخلاص والتنفذ !. الشيعي العربي هويته مفقودة وإرادته مسلوبه ،والمكابرة والتبعية تجعلانه في حالة من الفصام والفصال مع الحياة وأبسط أبجديات ضرورياتها ومتطلباتها للعيش بسلام وتعايش مع الواقع الذي لا يتطلب أكثر من عقل حر لا تكبله خرافات الأفاقين أو وصايا الآخرين.