في الشتاء نلتحف الذكريات دفئا يمنحنا سكينة للجسد والروح نبحث عن دثار يسعفنا بحرارة مكان وزمان ليشعل فينا الرغبة في احتضان كل ما حولنا وضمه إلى صدورنا حتى نذوب به كشمع معطر ينصهر حتى تتصاعد منا رائحة أزهار الربيع وورق الخريف وروائح قوس قزح..! نرتمي بأجسدانا المثقلة على السرير المكان الآخر الذي تلون بألوان الدفء استعداداً للقائنا وتحوّلت أطرافه لذراعين كبيرتين تحتضننا بعد كل تعب وتطبطب علينا كلما التصقت به أجسادنا أكثر. يتحول هذا السرير إلى سفينة نوح الضخمة العجيبة يصارع كل أمواج التعب يزاوج بين أفكارنا فكرة فكرة حتى نصل إلى بر الأمان وتتكاثر أشياؤنا الجميلة. هذا السرير الذي نختلي به يمكن له أن يحكي لنا بعد سنوات حكاياتنا التي لم يسمعها غيره ليقرأ بعضُنا بعضَنا وتستمر الحياة. أمل دنقل (1940- 1983) الجنوبي الذي غادرنا في سنوات كان من المفترض أن تكون أشد سنوات عمره بعد أن التصق بالسرير لمدة عام ونصف العام في (الغرفة 8) من الدور السابع في (المعهد القومي للأورام) من فبراير 1982 إلى يوم رحيله الساعة الرابعة من صباح السبت الحادي والعشرين من مايو 1983، كتب قصيدة السرير وكيف كان رفيقا للألم والذاكرة والسكون تضمنها ديوانه الأخير (أوراق الغرفة 8) الذي قال فيه دنقل: صرت أنا والسرير.. جسداً واحداً.. في انتظار المصير! (طول الليلات الألف والأذرعة المعدن تلتف وتتمكن في جسدي حتى النزف) القصيدة أعمق من معدن وأذرعة وغرفة تضم كل هذا الوجع، هي في حقيقتها بطاقة مصورة أهداها لنا أمل دنقل وكتب عليها حقيقة الوجع الذي نهرب منه والخيالات التي نفرقها كلما اجتمعت. في (أوراق الغرفة 8) تأملات جسد يذبل وقلب يفتش عن الحياة التي كان يحمل شاعرنا أجمل ما فيها (أمل). في (أوراق الغرفة 8) إنسان كان يقاتل بقوة وهو يستسلم بضعف كان حريا به أن يموت ولا يكتب ولكنه إلى آخر نبض حياة كان يكتب عن الأمل. ** الأمل سطر نكتبه ويتجاوزنا حتى نلتقي به عند النقطة الأخيرة!