رشحت روسيا في العام 1898 النقيب المسلم عبد العزيز دولتشين للقيام بمهمة استطلاعية للإمبراطورية الروسية لمعرفة ماهية الحج، وهل تشكل تلك التظاهرة الروحانية خطراً على روسيا، وتقبلها عبدالعزيز بسعادة، واعتبر أن ذهابه إلى الحج على نفقة الدولة و بتكليف رسمي إنما هو فرصة العمر لأداء تلك الشعيرة وخدمة مسلمي الإمبراطورية الروسية. يشكل كتاب «الحج قبل مائة سنة» وثيقة فريدة من نوعها، في غناها وتعدد مواضيعها وميادينها، زاخرة بالتفاصيل المتعلقة بأدق أمور الحياة اليومية في الجزيرة العربية وفي البلاد التي زارها الضابط الروسي [دولتشين] في طريق ذهابه وعودته. هذه التقارير حول رحلة عبدالعزيز دولتشين جمعها ونسقها ورتبها الكاتب الروسي يغيم ريزفان الاهتمام بالحج باعتباره ظاهرة اجتماعية وسياسية قد استمر في أوساط جمهور روسيا القارئ كثيرا وظهرت العديد من الدراسات والكتابات، عام 1910 نشرت مجلة «آسيا الوسطى» ترجمة من كتاب «وصف مكة»، وعام 1913 صدرت الترجمة الروسية لكتاب «مكة في أوصاف الأوروبيين» النصف الثاني من القرن التاسع عشر تعاظم نفوذ روسيا في الشرق الأوسط بسرعة، وشهد عام 1898ضم إقليم تركستان إلى روسيا، فقد التحق بروسيا علاوة على الشعوب الإسلامية الموجودة مسبقاً بها الملايين من المسلمين ممن حافظوا على علاقاتهم بالعالم الإسلامي والعربي خصوصاً . وتدريجياً أخذت قضية الحج إلى مكة تكتسب المزيد من الأهمية وفي المقام الأول اعتبروا الحج سبيلا لتسريب أفكار الجامعة الإسلامية إلى روسيا، وتبادل للمخطوطات الأثرية الإسلامية بين الكثير من الشعوب, ولم يكن يقيّم الحج في روسيا فقط بتلك الفترة لكن بجميع الدول الأوروبية كظاهرة دينية سياسية، وكانوا يربطون غالباً الاضطرابات في المستعمرات الإسلامية بأمر من مكة. \يذكر الكتاب أن الحجاج القادمين من الإمبراطورية الروسية كانوا يسلكون إحدى ثلاث طرق: 1- من منطقة ما وراء القوقاز "أرمينيا و جورجيا و أذربيجان" وشمال إيران إلى بغداد والنجف وكربلاء، ثم عبر الصحراء العربية إلى مكة والمدينة. 2- عبر سمرقند وبخارى ومزار الشريف وكابول وبيشاور ثم إلى بومباي، ثم بحراً إلى جدة أو ينبع 3- من روسيا الداخلية و سيبيريا عبر أوديسا وسيباستوبول وباطوم ثم إلى اسطنبول والسويس إلى جدةوينبع، وهذا هو الطريق الذي سلكه النقيب عبد العزيز. لقد كان الحجاج يتمتعون باحترام عميق من مواطنيهم حال رجوعهم، ووصف لقاء فريق من الحجاج في مدن آسيا الوسطى حال رجوعهم لديارهم «انتشر خبر وصولنا في كل مكان، النساء والأولاد وحتى الكلاب تدفقوا في حيرة من خيامهم ليلقوا نظرة على الحجاج العائدين وينالوا بلمسهم جزءاً من الأفضال والبركات» نعم كان الحاج يتمتع بطهر مكة المقدسة. في الحج تذوب الطبقية، وتتلاشى التفرقة، وتتجسد المساواة الحقة، المساواة الصادقة، المساواة الخالية من كل تكلفه أو خداع، المساواة التي فقدت في العالم المتحضر، خروج من نطاق البشرية إلى رحاب الروحانية؛ لأنه انسلخ من المادية إلى عالم المعنويات, وهذا ما أثبتته رحلة النقيب الروسي عبد العزيز لمكة.