يحتاج العربيّ الفرد والمؤسّسات، على تعدّد واختلاف القضايا العربيّة الداخليّة لكلّ دولة على حدة، أن يمارس اعترافا يؤهّله لنقد الذات؛ على أنّ هذا النقد نفسه يحتاج إلى خطّة وهدف ونقد أيضاً وتطوير. يحتاج إلى استغلال أيّ هامش للحريّة في خانة نقد الذات الفرديّة الخائفة من استقلالها عن المجتمع وقيوده، ونقد المؤسّسات إذا وقفت بوجه الفرد لتجعله محواً؛ كيف لمحوٍ أن يكون له دوراً في سياق عامٍ؟ كيف للجميع أن يلعبوا الدور نفسه والصوت نفسه والحركة نفسها؟ ألا تكون الحركة وهميّة حينما يفقد الأفراد اختلافاتهم وتتشابه أدوارهم التي يجب أن تكون مختلفة، وتتشابه أصواتهم التي يجب أن تكون مختلفة، وتتشابه خطواتهم، أحلامهم، اعتقاداتهم، أفراحهم، أحزانهم، يتشابه كلّ ما يتوجّب أن يكون مختلفاً لطبيعته المختلفة! يحتاج العربي الفرد أن لا يُحارب ويُنبذ لأنّه يسعى لمعرفة نفسه؟ أن ينتشلها من وسط هذا الجمود البشريّ المتكرّر والمتناسخ؟ وعلينا في السعودية والخليج أن نتساءل: كيف ولماذا نشأت أزمات الهويّة والانتماء في دول الربيع العربي المضطربة؟ علينا أن نستوعب شيئاً ممّا حدث ولماذا حدث، وما علاقة محو الفرد ونسخه متكرّراً بانهيار المؤسّسات العربيّة، التي عجزت عن إنشاء كيانات تتحمّل الصدمات بواقعية وعلميّة. وعلى النقد أن لا يكون خالياً من هدف ما، وعلى أمل عقلانيّ يُبنى على وقائع ولا يُبنى على أوهام وسراب، وأن لا يكون النقد جلداً عدمياً للذات، أو يزيدها محواً وتأبيناً في مقبرة الحاضر. * * كلاهما: اليأس والأمل سهلٌ في سوق الكلام، وكلاهما يصيران محرقة الإنسان إذا ما أفرط فيهما دون إدراك لأبعاد اليأس، ودون إدراك لانتشار أمل رخيص يرتجي بقاء الحال على ما هو عليه، ويغمض عينيه عن أزمات الحاضر. فما قيمة للأمل غير التخدير إن لم يكن مبنيّاً وتابعاً لخطّة عمل ومشروع يؤمن به القائمون عليه، ويؤمنون بنقده من داخله وتصحيح مساره كلّما تعثر في خطواته. العمل شرط الأمل. يحتاج العربي الفرد والمؤسّسات إلى فعل اعتراف بسلسلة من أخطاء ثقافيّة واجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة كذلك، ناشراً إيّاها علناً في البرلمانات والتشريعات والمناهج، وليس أخطاء مقبورةً في غرفة بين مجموعة من المؤتمنين أو اليساريين، وليس اعترافاً محشورا في زاوية صحفيّة أو وراء ستارة في مكان ما . * * يتوجّب الاعتراف: أنّنا لا نرى في سيرتنا التاريخيّة والمعاصرة أيّ مسؤوليّة داخليّة نابعة من ماديّة التاريخ وأفراده ومؤسّساته، بل نقفز على العقل والوقائع ونحيل عثرات التاريخ وصراعاته إلى شخصيّة أو أكثر، نمنحها بخيالٍ قدرة جبّارة على تغيير أقدار التاريخ! (تأمل كيف يحيلون الأحداث التاريخيّة التي لا يرغبون فيها وينسبون أسبابها إلى شخصية عبدالله بن سبأ؟، كيف يُقبل عقلاً أن نوافق على أنّ شخصاً بمفرده غيّر وخرّب وقائعنا وتاريخنا؟ هل كانت مؤسّسات التاريخيّة الحاكمة واهنة إلى هذه الدرجة؟ أمّا أنّه شمّاعة لأخطائها واستبدادها وأفعالها). يتوجّب الاعتراف: أنّنا لا نريد أن نرى واقعنا ووقائعنا، أنّنا نحيل أيّ خطأ ارتكبناه بحقّ أنفسنا إلى شمّاعة الآخرين، نحمّل الآخر تبعات كلّ أوهامنا وخسائرنا؛ «الآخر مسؤول عن واقعنا، الآخر سبب كلّ مشاكلنا، من احتلال الدول واستعمار فلسطين وجزءاً من سوريّا من قبل تركيا، وجزءاً من العراق/الأهواز من إيران، وجزءاً من الإمارات من إيران، الآخر هو العلّة...» نحمل (مظلوميتنا) ولا نحسن الدفاع عن حقوقنا، ولعلّنا في رحلة التيه وحملان المظلوميّة خسرنا وفرّطنا أكثر في حقوقٍ كان من الممكن وضمن إمكانات الواقع استردادها بطرق قويّة وواقعيّة لا يحتاج خطاب المظلوميّة وأوهام التآمر والعويل العاطفي. يتوجّب الاعتراف: أنّنا نرى مأساتنا ولا نرى مآسي شعوب أخرى تعيش معنا (الكُرد والأرمن والأفارقة وغيرهم)، نحمل (مظلوميّة) ونتنكّر (لمظلومية) شعب على أراضينا؛ ماذا قدّمنا للكرد سوى المأساة كاملة، حينما يحرم شعب قوامه أكثر من 30 مليون على أقل تقدير (وإن كانت التعداد في مصادر الكُرد يزيدون عن ذلك) من حقوقه المصيرية في حكم نفسه وبناء دولته، أو الدخول مع دولة عربية تحت نظام لا عرقي ولا ديني، يعمل بموجب المواطنة ويستوعب مخاطر الخطاب العرقي والعنصري على مؤسّسات الدولة ومستقبل وحدتها. يتوجّب الاعتراف بأخطاء كثيرة لا يتحمّلها هذا المقام. * * حينما يكون الآخر هو سبب كلّ مشاكلك فإنّ مشاكلك لن تحلّ إلا إذا تغيّر الآخر، هذا هو الوهم الذي يجعلك في عداء مع الآخر، أولاً: لأنك تعلّمتَ أنّه سبب مشاكلك، وثانياً: لأنّه لا يتغيّر ويقاوم محاولاتك العبثيّة لتغيره. الآخر لن يتغيّر وفقاً لتصوّراتك، الآخر يتغيّر وفقاً لواقعه ومصالحه، ومشاكلك من صنع يديك، وإذا ما أردت لها حلّاً فعليك بنفسك، ودَعِ الآخر ين يقاومون هذا التغيير، فلن يصدّوك إن أردت.