يبدو رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني عازماً على التصدي لما يصفه «استئثار شخص واحد بالحكم في العراق وإنقاذ الديموقراطية الناشئة من خطر جدي في تحولها الى ديكتاتورية يتم بناؤها عبر سيطرة رئيس الوزراء نوري المالكي على كل مفاتيح القوة في البلاد». وبعد لقائه الرئيس الاميركي باراك اوباما ونائبه جوزيف بايدن، في البيت الابيض الاربعاء الماضي، اكد بارزاني في حديث طويل إلى «الحياة» انه سيدعو ما إن يعود الى اربيل الى «اجتماع عاجل يحضره القادة العراقيون، لوضع كل القضايا على طاولة البحث الجدي والصريح بعيداً من اي مجاملة، وفي حال رفض المالكي الحضور او التعاطي بإيجابية، فإننا سنرفض في المقابل وجوده رئيساً للحكومة العراقية». «الحياة» سألت بارزاني عن قضايا عدة، تبدأ من الازمة العراقية الحالية ولا تنتهي بوقوع اقليم كردستان بين جناحي الازمة الاقليمية والدولية: ايران وسورية، وفيما اكد انه ارسل الى طهران قبل 3 ايام رئيس حكومة الاقليم نجيرفان بارزاني للبحث في الازمة العراقية، اوضح انه لم يتوصل الى رؤية واضحة من جانب المعارضة السورية في طريقة تعاطيها مع «الحقوق المشروعة لكرد سورية». وفي ما يأتي نص الحديث: في اللقاء مع الرئيس اوباما والمحادثات مع نائبه جوزيف بايدن، اي هواجس نقلتها اليهما عن العراق وأي موقف اميركي من الازمة العراقية استخلصته؟ - شرحت لهما بالتفصيل وجهة نظرنا، فيهمني جداً ان اعرف هوية العراق، اي عراق يريد الاميركيون التعامل معه؟ وما هو موقفهم من اقليم كردستان، ونقلت اليهما موقف الاقليم من كل جوانب الازمة الراهنة وأسبابها، وما سمعته منهما افرحني وجعلني مطمئناً إلى الالتزام الاميركي الذي كان واضحاً، بعراق ديموقراطي تعددي وفيديرالي، وأكدا لي التزامهما بكردستان وبشعب كردستان، وهذا كان بالنسبة إلي شيئاً مهماً، كما شرحت لهما ان العراق يمر بأزمة وأن الامر يحتاج معالجة جدية، ليست ازمة مفتعلة بل هي موجودة، وتحتاج الى معالجة، وهذه المعالجة يجب ان تكون عراقية مدعومة من اصدقاء العراق، لا يجوز ان ننتظر من اميركا او اي دولة اخرى في العالم ان تأتي وتجد حلاً للأزمة، ولذلك انا اقترحت، وأعتقد ان الرئيس اوباما ونائبه بايدن استحسنا الاقتراح، ان تجتمع القيادات العراقية لانقاذ البلاد، وإلا فالوضع الحالي ليس الخيار، فإما اصلاح الوضع وإما خيارات اخرى، فبقاء الوضع على ما هو عليه ليس خيارنا ابداً. العراق يتجه الى كارثة، الى عودة الديكتاتورية، والاستئثار بالسلطة في كل مرافق الدولة. يتم تهميش الجميع، وكأنه تم اسقاط النظام الجديد في العراق على يد شخص، فيما الباقون يعيشون على مكرمات القائد الجديد، وهذا غير مقبول وغير ممكن. كلنا ناضلنا، كل العراقيين ناضلوا وقوى سياسية واجهت ديكتاتورية صدام وقدمت تضحيات في نضالها، فلا يجوز الاستئثار بالسلطة مطلقاً. اجتماع القادة: إما حلول وإما كل في طريقه ستذهبون الى خيار دعوة القادة العراقيين للاجتماع ومناقشة الازمة. ما الخطوة التالية؟ -عندما اعود الى كردستان، سأدعو الى اجتماع كل القادة العراقيين، في اربيل او أي مكان آخر، المهم ان يعقد الاجتماع وبحضور كل القادة، لدراسة الوضع بمسؤولية، وليس للمجاملة او ايجاد حلول وقتية او مسكنات للأزمة، فإما حلول جذرية، وإما كل واحد يعرف طريقه. لا بد من وضع سقف زمني محدد وقصير لحل الازمة، فالحقيقة اننا تعبنا من الوعود ومن اللقاءات العقيمة، يجب ان يكون اللقاء جدياً وحاسماً، وإذا لم يستجيبوا، فثمة حديث آخر. ولكن المالكي يرفض المشاركة في اي اجتماع يحمل شروطاً، وهو ما كان سبباً لفشل عقد «الاجتماع الوطني» في بغداد، هل تتوقع مشاركة المالكي في اجتماع تدعو اليه، تريده حاسماً وصريحاً وبعيداً من اي مجاملة؟ - نريد اجتماعاً لتفكيك الازمة، لاصلاح الوضع، الاجتماع ليس لمجرد الاجتماع، اذا رفض المالكي حضور الاجتماع لحل المشكلة، فنحن نرفض بقاءه في الحكم. يجب ان نكون صريحين، فلم يعد هناك مجال للمجاملات ولا للديبلوماسية، إما معالجة الوضع وإما مواجهة وضع لا يمكن القبول به، وفيه شخص واحد يستحوذ على كل مرافق الدولة ويتصرف وفق ارادته، ويهمش الآخرين، ثم يبقى رئيساً للوزراء، هذا غير مقبول على الاطلاق. ديكتاتورية المالكي ما تعتبرونه صعود المالكي كشخصية استحواذية على مراكز السلطة، من يتحمل مسؤوليته؟ من سكت عليه حتى بات غير مقبول؟ - أنا أحمّل القوى الاخرى المسؤولية، اكثر مما احمّل المالكي. سكتوا وغضوا النظر عن هذه التصرفات، بدأ المالكي في تركيز السلطة تدريجاً، بينما الآخرون سكتوا، انشغلوا بمسائل جانبية الى ان وصلت الامور الى ما وصلت اليه. الآن هو رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، وأؤكد لك انه الحاكم العسكري العام، وزير الدفاع، وزير الداخلية، مدير المخابرات، وأخيراً طلب من رئيس البنك المركزي إلحاق مؤسسته المستقلة برئاسة الوزراء. ماذا تبقى من السلطات لم يركزها بين يديه، وكيف تكون الديكتاتورية؟ تتحدث بتوجس عن نمو الجيش العراقي وتسليحه، ما الذي يخيفكم في ذلك؟ - الدستور يقول ان الجيش العراقي ملك لكل ابناء الشعب وفيه توازن، وما كان من المفروض ان يكون عدد الفرق اكثر من خمس الى ست فرق، الآن هناك اكثر من 16 فرقة، فضلاً عن الكثير من تشكيلات القوات الخاصة، كلها مرتبط بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، اي المالكي، الذي يشرف على الجيش ايضاً، لا وزارة الدفاع ولا رئيس الاركان، ولا اي مسؤول عسكري غير مكتب القائد العام، المفروض دستورياً ان تعيين اي قائد فرقة يتم بموافقة البرلمان، لنسأل البرلمان اليوم، رئيساً وأعضاء اذا كان قائد فرقة واحد قد تعين بهذه الطريقة الدستورية. اي خرق اكبر من هذا للدستور؟ ثم الاخطر من ذلك ان الجيش يبنى على اساس ثقافة الولاء للشخص الواحد، وهذه هي الكارثة، وأن هناك في الجيش من يفكر ان في حال الحصول على الاسلحة المتطورة، فالهدف سيكون دفع الكرد خارج اربيل وصلاح الدين (مقر رئاسة الاقليم)، هذا تم ضمن اجتماع للقيادة العامة. بحضور المالكي؟ - نعم بحضوره، وقيل انه مع طائرات اف-16 والدبابات المتطورة سندفع الكرد خارج اربيل، مرة اخرى، وعندي معلومات دقيقة ومؤكدة عن ان هذا قيل بحضور المالكي الذي لم يرفض كلاماً خطيراً كهذا؟ لهذا يجب وقف التدهور في الوضع العراقي، ووقف هذه المحاولات الخطيرة لإعادة الديكتاتورية. * لكن رئيس اركان الجيش وقائد القوة الجوية من الكرد؟ - نعم ولكن اصبحا من دون صلاحيات فعلية. موجودان بالاسم ومن دون اي فاعلية حقيقية أكان في اتخاذ القرارات او في تنفيذها. ويتم نزع الصلاحيات باستمرار من الضباط الكرد. تقول الاطراف المؤيدة للمالكي، غير ما تذهبون اليه، فإنها تجعل من حدث القمة العربية في بغداد مثالاً عن ان الكرد يتمتعون بقوة متعاظمة في العراق، رئيس القمة كان رئيس الجمهورية جلال طالباني، رئيس مؤتمر وزراء الخارجية العرب كان وزير الخارجية هوشيار زيباري، وحتى المؤتمر الاقتصادي الذي سبق القمة رأسه وزير التجارة وهو كردي ايضاً؟ ماذا ترون في ذلك؟ - اروي لك قصة، عندما اصبح الشيخ محمود الحفيد (شخصية تاريخية كردية كبيرة) ملكاً لكردستان، بعد ان قرر البريطانيون منح كردستان حق الاستقلال، ذهب اليه ممثل الحكومة البريطانية وأبلغه: صاحب الجلالة انت الملك وأنا مستشارك، التعيينات والشرطة والمال كلها انا اشرف عليها، والمسائل الاخرى من اختصاص جلالة الملك. الشيخ الحفيد رد عليه: حضرة المستشار تعال كي تكون ملكاً وأكون أنا مستشاراً. المالكي يعمل بطريقة المستشار: يعين قادة الفرق العسكرية، لا رئيس الجمهورية يعرف بذلك، ولا البرلمان يعرف، وهو ما يجب ان يكون صاحب الرأي النهائي، يعقد صفقات الاسلحة بالمليارات ولا احد يعرف، يبني جيشاً من مليون شخص يكون ولاؤه للمالكي ذاته من دون ان يعرف رئيسا الجمهورية والبرلمان كيف يتم ذلك. يتصرف بأموال الدولة كما يشاء ولا احد يعرف، يمنح البراءة للمتهم ويتهم البريء فيما القضاء يتبع لاشارة بسيطة من مكتبه. من هنا نسأل: عملياً من المستفيد من وجود ثلاثة اكراد في رئاسة فعاليات القمة العربية؟ المالكي هو الذي استخدم الموضوع لفائدته. الخلاف على السلوك والمنهج فيما بارزاني صريح وقوي في تصديه لظاهرة استفراد المالكي بالسلطة، نجد ان رفيق دربه الرئيس طالباني يبدو اقرب الى مجاملة المالكي. السؤال هنا: هل يمضي طالباني معك في المسار ذاته حيال المالكي؟ - ربما يكون هناك نوع من التباين في وجهات النظر، لكن في النتيجة النهائية نحن متفقان وليس هناك اي خلاف. ربما التباين في طريقة الحل، ولكن في النتيجة لا خلاف بيننا ابداً. حديثك عن الفاشلين في بغداد، كان ضمن مؤتمر صحافي جمعك الى رئيس «المجلس الاعلى الاسلامي» السيد عمار الحكيم الذي لم يرد على اشارتك وهو ما اعتبر قبولاً بها. كيف نفسر هذا؟ أهو يعني تحالفاً جديداً بين الكرد والشيعة ولكن من دون المالكي؟ - التحالف قائم وحتى مع حزب «الدعوة» الذي احترم تضحياته وأقدرها، فنحن لسنا على خلاف معه ابداً، وحاول البعض تفسير الخلاف وكأنه شخصي، لا ابداً الخلاف هو على سلوك ومنهج، على كيفية ادارة الحكم، أكان الحاكم سنّياً كردياً ام شيعياً، انا شخصياً ليست لدي اي مشكلة مع المالكي. ان تصوير الموقف على اننا نقف ضد الشيعة، ارفضه في شكل قاطع، نحن حلفاء الشيعة، نحن شركاء في المظلومية، وتاريخ نضالنا المشترك هو ارفع من ان يمسسه احد. قلت الشيعة الذين عرفناهم وقفوا معنا دائماً، شيعة آل الحكيم، شيعة آل الشهيدين الصدرين (محمد باقر ومحمد صادق الصدر) وقفوا معنا، وكانوا معنا في السراء والضراء، ونحن معهم في خندق واحد، وهذا اكرره الآن ايضاً. كانت محاولات مغرضة لإيجاد شرخ بين الكرد والشيعة وهو ما لن ينجح فيه احد إن شاء الله. هناك رأي شعبي واسع في العراق، يكاد يمثل تياراً سائداً في الوسط العربي الشيعي يقف ضد الكرد ويشن عليهم حملات اعلامية وسياسية كبيرة، بدا معها أن لا تأثير جدياً لحلفائكم الشيعة (آل الحكيم وآل الصدر) في مواجهته؟ - هناك في المقابل مد شعبي عارم ضد المالكي وسياسته في كردستان، اذا كان هو يريد الإخلال او تدمير العلاقة التاريخية بين الكرد والشيعة فهو يتحمل مسؤولية ذلك. نحن وجّهنا رسالتنا الى الإخوة الشيعة، وقالوا اننا معكم في خندق واحد، لكن اذا كانوا سيقعون تحت تأثير خديعة البعض، فهم من يتحمل المسؤولية. نحن نسأل من باب الحرص، ماذا فعل المالكي لجماهير الشيعة؟ ماذا تغير من خدمات في مدنهم؟ نحن نطالب بتحسين الاوضاع في عموم العراق. القضية بالنسبة إلي عراقية وكردية ايضاً، فإذا كان من الشيعة من يقف ضدي، او من السنّة والكرد، فهذا متروك لهم، انا مؤمن وعلى ثقة تامة، بما اقوله وبما اقوم به. سأدعو الشعب الكردي الى استفتاء انطلاقاً من هذا، هل ستذهبون الى اقامة تحالف جديد يتولى حجب الثقة عن حكومة المالكي في البرلمان؟ - انا سأبذل كل الجهود لعقد الاجتماع الذي اشرت اليه ولإيجاد حل لهذه الازمة، اما اذا لم يحصل الاجتماع وكل طرف يتحجج بحجج مختلفة، فأنا غير مستعد والشعب الكردي غير مستعد أن يتفرج وينتظر الوعود العقيمة. نحن سيكون لنا قرار آخر، ويجب ألا يؤخذ هذا كابتزاز او تهديد، انا جاد في هذا الموضوع: سأرجع الى الشعب الكردي وأستفتيه. الاستفتاء على الدولة الكردية؟ - نحن نحاول ان نصحح الوضع في العراق اولاً، بتنفيذ ما ورد في الدستور، وتحديد ضوابط للحكم وإقامة شراكة حقيقية، فوجود وزراء في الحكومة ليس شراكة، الوزراء موظفون عند المالكي، وهذا غير مقبول، ايضاً هناك المادة 140(الخاصة بحل للمناطق المتنازع عليها)، قانون النفط والغاز، البشمركة، وفوق كل هذا الالتزام بالدستور والشراكة والديموقراطية، وإصدار نظام داخلي ينظم عمل مجلس الوزراء... الجيش قضية مهمة جداً، لا يمكن ان يكون على ما هو عليه: مليون انسان مسلح يكون ولاؤهم لشخص واحد، هذه كارثة كبرى لا احد ينتبه اليها، لذلك اقول انه اذا كان الآخرون مستعدين لإصلاح الوضع فأهلا وسهلاً، اما اذا كانوا يتهربون ويقبلون بالوضع الحالي، فهذا مرفوض من جانبنا ولن يكون خيارنا على الاطلاق. اعتقد انني لا يمكن ان اكون اوضح من هذا. مهما كان الثمن لا يمكن ان نقبل بعودة الديكتاتورية الى العراق، وإذا فشلنا في وقف الديكتاتورية فلن نكون مع عراق يحكمه ديكتاتور. تنمية كردستان... والسلاح الكيماوي قضية النفط والغاز أم القضايا، بل ان هناك من يقول ان الخلاف عليها هو سبب الازمة، بل انها ناتجة من التحذير الذي وجّهته الحكومة العراقية الى شركة «اكسون موبيل» الاميركية العملاقة من مغبة توقيع عقد معكم من دون علمها، هل سحبت الشركة يدها من العمل في كردستان؟ - المشكلة قبل مجيء «اكسون موبيل» بل أقدم منها، وكي اكون صريحاً وواضحاً، هناك من يقف ضد تطور ازدهار كردستان وليست مسألة دستورية العقود او قانونيتها. قلنا مراراً اننا ملتزمون بالدستور: النفط والغاز ملك لكل الشعب العراقي، في شباط (فبراير) 2007 اتفقنا على مسودة قانون يصادق عليها لاحقاً في البرلمان، ويصبح نافذاً، لكنهم غيروا فيه وكان يتضمن ملحقاً يقول: اذا لم يقر هذا القانون في البرلمان لغاية ايار (مايو) من العام نفسه، فلكل طرف الحق في توقيع عقود مع الشركات الاجنبية، هذا اتفاق بيننا والمالكي، وحين وصل الامر الى الانتاج، دعونا وزير النفط حسين الشهرستاني ليشارك في الافتتاح، لا سيما ان الانبوب يتصل بالنفط العراقي المصدر عبر تركيا، لكن في تصوري ان الوقوف ضد تنمية اقليم كردستان وتطوره لا يقل عدوانية عن عدوانية من استخدم السلاح الكيمياوي وقام بعمليات «الأنفال» ضد الكرد. انه العداء نفسه والثقافة نفسها. في ما يخص «اكسون موبيل»... في ايار 2011 كتبت رسالة الى المالكي ابلغته فيها ان الشركة الاميركية تطلب التفاوض مع الاقليم، وهذا كما ارى مساعدة كبيرة للعراق، ارجو ان تكون مطلعاً وإذا كانت لديك اي ملاحظات فأرجو ابلاغي بها، واذا وصلنا مع الشركة إلى نتائج نهائية فسأطلعك عليها، ومع دخول المفاوضات الى مراحل حاسمة، ارسلت رسالة اخرى للمالكي وشرحت له فيها اننا وصلنا الى نتائج مهمة مع الشركة وفيها خير كبير للعراق، ووصلني خبر منه بأن هذا فعلاً شيء جيد للعراق. المالكي يتنصل ليست رسالة رسمية؟ - لا عبر وسيط بيننا، لذلك، بعد اليوم، يجب ان يكون كل اتفاق مكتوباً وموقّعاً، لأن المالكي، بكل سهولة، يتنصل من الاتفاق. فجأة قامت القيامة، تصريحات استفزازية تهديدية من الشهرستاني، بينما الحكومة يفترض انها حكومة شراكة وطنية، وليس الشهرستاني هو الحكومة، ولا يمثل وحده الحكومة العراقية، يمثل نفسه فقط، والقضايا الحكومية تحددها مناقشات داخل مجلس الوزراء، لا ان يعيّن الشهرستاني نفسه حاكماً على العراق. هذا يقودنا الى سؤال: نصف تريليون دولار (500 بليون) دخل الى موازنة العراق منذ العام 2003 لحد الآن، اين ذهبت هذه الاموال، ومن يتولى إنفاقها اين ذهب بها؟ هناك وثائق للنهب في اموال الدولة والشعب، لكن سكتنا على كل هذه المسائل، والآن لا بد من ان يطلع الشعب على كل هذه الحقائق. وحين يهددون هذه الشركة او تلك بسبب العمل في كردستان، فإنه غير مقبول، مثلما هو غير مقبول ان يتصرف الشهرستاني وكأن كردستان تابعة له. من هنا قلت ان الحاكمين في بغداد فاشلون وأقولها مرة اخرى هنا: كم هي الساعات التي تصل فيها الكهرباء الى المواطن العراقي؟ الشهرستاني لن يحكم كردستان الشهرستاني يتهم سلطات اقليم كردستان بتهريب النفط؟ -انا طلبت تشكيل لجنة مشتركة من البرلمان الاتحادي وبرلمان كردستان للتحقيق بمزاعم الشهرستاني، تحقيق على مستوى العراق ككل، ماذا يحصل للقطاع النفطي؟ ما هي المنجزات؟ اين ذهب اكثر من عشرين بليون دولار للكهرباء؟ على الشهرستاني ان يعلم انه لن يحكم كردستان وفق ارادته، ليكن هذا واضحاً. يقول سياسيون ومراقبون كرد ان الشهرستاني كأنه يتقصد العداء لكم، كي لا تكون تجربتكم حافزاً للكرد في بلدان مجاورة؟ هل يعني هذا انه يمثل اجندة معينة؟ - نعم الشهرستاني معاد للكرد، ولديه اجندة في موقفه هذا المعادي لنا في شكل سافر، لكن لا أتهمه بتنفيذ اجندة لحساب طرف خارجي. لكنه حين ينظم مؤتمراً صحافياً في بغداد وهو نائب رئيس الوزراء والى جانبه وزير النفط العراقي، هل يمكن ان يكون مدفوعاً لتنفيذ اجندته من دون علم رئيسه المباشر، اي رئيس الوزراء المالكي، في اتهام الاقليم بتهريب النفط وتكبيد العراق خسارة بنحو 5 بلايين دولار؟ - نعم تم الامر بموافقة المالكي ومباركته، لا شك لدينا في ان الامر تم بتشجيع المالكي. فهو يقول دائماً انه ينفذ سياسة الدولة؟ ماذا يعني هذا؟ اي دولة؟ هل يعني ان الآخرين خدم لهم؟ هم جزء من الحكومة وليسوا الحكومة؟ في واشنطن هل انتهى موضوع العقد مع «اكسون موبيل» الى تأكيده؟ - بالتأكيد التقيت رئيس الشركة، وهي ملتزمة بالاتفاق معنا ولا صحة لما يشاع عن إلغاء العقد تحت تأثير تهديد الحكومة العراقية المركزية لها وعلاقتنا معها متطورة. بالعودة الى الازمة السياسية: من هي الاطراف التي سيعمق بارزاني تحالفه معها ضمن قراره التصدي لما يصفه بديكتاتورية المالكي؟ - اقول كل طرف مؤمن بالديموقراطية، بالفيدرالية، بالتعايش وبقبول الآخر، نحن حلفاؤه، اياً كان قومياً او طائفياً في مهمة التصدي لعودة الديكتاتورية الى العراق. ايران والمالكي اتصالاً بهذا ذهب رئيس حكومة اقليم كردستان قبل ايام الى طهران، هل تتوقعون موافقة ايرانية على تغيير المالكي؟ - انا ضد اي قوة اقليمية او دولية تتدخل في اختيار الحكومة العراقية، او رئيسها، ايران كانت ام غيرها، وموقفي هذا واضح وقوي، لا يحق لأحد ان يتدخل في اختيار الحكومة العراقية، مثلما ادعو ايضاً، الى علاقات متكافئة طيبة مع ايران او غيرها، أما أن يتدخل هذا الطرف او ذاك في اختيار الحكومة العراقية فهو امر مرفوض تماماً ولا استطيع القبول به اطلاقاً. ولكن هناك اجماع عراقي واقليمي حتى وإن كان غير معلن على ان ايران فعلاً تدخلت في اختيار رئيس الحكومة العراقية؟ - حتى وإن حصل، فيجب ان يتوقف ويتغير. العراقيون يجب ان يحددوا من يحكمهم. ما الذي حمله من طهران رئيس الحكومة نجيرفان بارزاني؟ - لم ألتقه الى الآن، لكنه نقل الى الايرانيين وجهة نظرنا بصراحة، وبلا شك فإنه عاد بملاحظات الإخوة الايرانيين، وهي في بعض الامور تتقاطع معنا وتتوافق ايضاً. الكرد في سورية موقفكم مختلف في التعاطي مع الاوضاع في سورية، وثمة من يقول انك شخصياً وضعت بعض التحديدات امام مشاركة الكرد الواسعة في الانتفاضة السورية؟ هل هذا صحيح؟ - الكرد في سورية محرومون من حق المواطنة، الآخرون يثورون من اجل المطالبة بالسلطة، الكرد يناضلون من اجل الحصول على حق المواطنة، هذا فرق كبير. سابقاً بذلنا جهداً مع الحكومة السورية كي تغير من سياستها الناكرة لحقوق الكرد، مع الأسف الشديد لم يتغير اي شيء. المعارضة السورية الآن تتحدث باسم الثوار، لكن ليس لهذه المعارضة اي مشروع واضح حيال حقوق الشعب الكردي في سورية، لذلك فالموقف الكردي يتوقف على هذا المشروع عند المعارضة السورية. حتى المجلس الذي يقوده السيد برهان غليون؟ - نعم حتى المجلس لا يملك مشروعاً او رؤية واضحة، هناك اعتراف خجول ولكنه ليس صريحاً وواضحاً بحقوق الكرد. لكن مع هذا فالكرد يشاركون في التظاهرات والاحتجاجات ويطالبون بإسقاط النظام. ماذا ابلغت السيد غليون حين التقيته في اربيل؟ - اولاً، نحن لا نقرر نيابة عن كرد سورية، نحن نساندهم، هم يقررون مع من يتحالفون، لكن تحدثت مع السيد غليون بصراحة، وتوصلت بعد اللقاء معه الى ان لا وجود لرؤية لديهم في كيفية التعامل مع القضية الكردية. الكرد لن يلتحقون بالمعارضة اذا لم تكن هناك ضمانة لتغيير اساسي وجذري في وضعهم في سورية، ويتم الاعتراف بهم. لم يتم هذا حتى في مؤتمر «اصدقاء سورية» بإسطنبول؟ - لم يتم... فقط ورد ذكر خجول للكرد، ولو لم يذكروه لكان افضل. كيف تنظرون الى مخاوف الحكومة العراقية من وصول القوى المنتفضة الآن الى السلطة في سورية؟ - من المؤكد أن الوضع في سورية يؤثر في العراق، فالإخوة السنّة يرون ان بقاء النظام السوري الحاكم، يعني امتداداً شيعياً من ايران الى لبنان، وهذا تهديد لهم، والعكس ايضاً، فالإخوة الشيعة يتصورون انه اذا سقط هذا النظام وجاء بديل سنّي له، فسيكون امتداداً للعالم السنّي، وهذا تهديد كبير لهم، خصوصاً في العراق ثم في ايران... هذه هي الحقيقة. اما بالنسبة الينا في اقليم كردستان، فهذا صراع مذهبي لن نتدخل فيه، ولن نسمح بذلك. نحن طرف في صراع سياسي، لكن لسنا طرفا في صراع مذهبي. لكنكم لستم في موضع يمكنكم فيه النجاة من تأثيرات الصراع اذا ما مضى في الاتجاه هذا؟ - نعم ولكن نحن نحاول، نحن نرفض الاصطفاف مع جهة معينة اذا كان الصراع مذهبياً، لكن في الصراع نحن نكون مع من يتبنى الديموقراطية والحقوق القومية للشعب الكردي. لا أثق بقضاء عراقي ليس بعيداً من هذا الصراع «المذهبي» تأتي قضية اقامة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المتهم بدعم الارهاب في كردستان، هل اصبح الهاشمي عبئاً عليكم؟ - اولاً هذه ليست مكشلتنا، الهاشمي نائب رئيس الجمهورية والى الآن لم يُدن، المالكي نفسه يقول ان لديه ملفات منذ سنوات عدة بحق الهاشمي، لماذا غطى عليها؟ لماذا سمح له بالقدوم الى كردستان؟ اقول ثانية المشكلة ليست مشكلتي، لكن مع وصول الرجل الى الاقليم، بدا وكأن الجميع يتعقبه وهو هارب، بينما انا اتولى حمايته. لماذا سمحوا له بالخروج من بغداد؟ لماذا يطلبون مني اعتقاله فيما هم لم يفعلوا ذلك والرجل بينهم؟ انا لا ادافع عن الهاشمي، انا ادافع عن مبدأ الشراكة، هل بهذه السهولة يمكن ضرب شريك يمثل طائفة اخرى وكتلة سياسية اخرى؟ ثم عن اي قضاء يتحدثون؟ القضاء الذي يحول البريء متهماً بإشارة بسيطة، ويتهم البريء بالطريقة ذاتها؟ انا لم اعد اثق بهذا القضاء، وهو قضاء غير مستقل ومسيّس ومسيّر. لذلك الموضوع حتى وإن قالوا انه قضائي، فالقضاء فقد صدقيته. مع هذا وللخروج من هذا المأزق وللخروج من هذا الإحراج الذي وقعنا فيه جميعاً اقترحت ان تقوم الرئاسات الثلاث، ورئيس القائمة العراقية، بالاجتماع واتخاذ قرار: يعتقل الرجل؟ يسفّر الى خارج البلاد؟ يبقى في اقليم كردستان؟ بريء؟ متهم؟ تنقل محكمته الى كركوك؟... كلها رفضت! ثم اذا كان اتهامه مؤكداً، فلماذا يبعث إلي المالكي بإشارة: سهلوا مهمته كي يهرب الى تركيا؟ هذا استفزني الى اقصى حد. هذا اعتبرته اهانة كبيرة جداً. الهاشمي حر، لا اطلب منه ان يغادر كردستان ولا اعتقله ولا ارفض عودته الى كردستان اذا ما قرر العودة. الموضوع ليس عندي، ولا اريد ان اظهر وكأنني الوحيد الذي يخالف القانون وهم جميعاً يسعون الى تطبيقه. المالكي يعرف جيداً معنى ان تستضيف كردستان شخصاً يلجا اليها، فهو كان في الاقليم وأكبر شرف لكردستان ان تكون معقلاً للعراقيين الاحرار وستظل كذلك. اما بالنسبة الى الهاشمي، فعلى الرئاسات ان تتخذ قراراً وحينها سأرحب بتنفيذه مهما كان، ولكن ارفض تحميلي المسؤولية في تسليم الرجل، لأن المشكلة ليست مشكلتي بل مشكلتهم.