في لحظات مجدبة من العاطفة ،قذف جواله صوتاً ناعماً في أذنه سلب فؤاده من أول كلمة ، هام بها ، تعلق قلبه بصوتها الرخيم . صوتاً لا صورة أحبها ، بررت له بأنها مخطئة في الرقم على حد زعمها ، لكنه كان متفائلاً بعودتها ، عادت العصفورة مجدداً بمبررات أخرى تحوم حول القفص حتى حطت فيه ، تواصل دائم برسائل عطرة، وأحاديث العشق الصاخب كل مساء، كانت تتغنى بسحر كلامه وتطلبه المزيد . وهو لا يتوانى في تأجيج مشاعرها ، صوتها يتبعثر كعزف كمان شجي، كتب شعراً وأرسله: «كل حب ولادة وكل ولادة من نار فلنحترق بألسنة الشموع وليكن ليلنا وعدا بخراب ناصع البياض» لقد تحول إلى شاعر مغرم من قوله ومنقوله ، الحب يصنع الإبداع ، حدث نفسه بهذا التحول بعد أن كان قلبه صحراء مقفرة ، يجزل لها عطاء الكلمات من طرف لسانه ، يكبر الحب كالجنين في قلبيهما ، ضربا موعداً للقاء الغرام، دون عنوانها في ذاكرة عقله الباطن ثم مضى في تنفيذ قراره الوردي. ذات مساء هادئ أسرع إليها ، في منزلها ولج ، تحفه النشوة، نسي الخوف من عواقب المغامرة ، دلف عليها خلسة يتحسس المكان كالأعمى ، بمفردها في بهو المنزل تنتظره بلهفة العاشقة . مرتدية زينة العروس، جابهها ، شاهدها لأول مرة وهي تتقافز مبتهجة على كرسيها المتحرك، اجتاحته الصدمة، وهيَ ذرفت دموع الخيبة والفجيعة ، مندهشاً غير مصدق ظلَّ محدقاً فيها بعينه الواحدة التي مَلأت وجهه وأخذت دور الأخرى المفقوعة..