سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العضل والطلاق مع الحرمان من الحضانة والنفقة وإساءة المعاملة صور حية لمظالم نسائية تملأ أرفف المحاكم الأكاديمية والباحثة السعودية ملاك الجهني ل«الجزيرة»:
تؤكّد الأكاديمية والباحثة السعودية في الدراسات الإسلامية والكاتبة المهتمة بقضايا المرأة ملاك بنت إبراهيم الجهني على وجود الظلم على المرأة قديماً وحديثاً، وإن المتتبع لتاريخ الظلم الاجتماعي للإنسان عموماً، للمرأة بخاصة يكشف عن ثنائية (الحضور والغياب) في سجال تاريخي بين القيم الدينية وقيم الغاب. وقالت ملاك الجهني في حوار مع « الجزيرة « إن الظهور الإعلامي والحضور النشط في السنوات الأخيرة للداعيات والإعلاميات والحقوقيات انعكس إيجابياً على المرأة التي أصبحت أكثر وعياً بقضاياها من ذي قبل، مشيرة إلى أن المرأة تعاني في عصرنا من تغيّر في الأولويات مما انعكس على الجيل، وباتت آثار هذا التغير بادية ولا تخفى على ذي بصيرة. كما تناول الحوار مع الأكاديمية والباحثة ملاك الجهني قضايا التصنيفات الفكرية، وموضوعات أخرى.. وفيما يلي نص الحوار: * هل ما زلت تؤكّدين على وقوع الظلم على المرأة في المجتمع؟ - نعم أؤكد ذلك، وإنكار وجود الظلم كادعاء تعميمه وجعله أصلا لا استثناء سواء بسواء، ومن ينكر وجود مظلمة تاريخية للمرأة فضلاً عن وجود مظالم آنية تقع عليها فكأنما يحاول حجب الشمس بيديه. فالظلم الواقع على المرأة في المجتمع ظاهر ووجوده أظهر من أن يدلل عليه، وما العضل، والحرمان من الحضانة، والنفقة، والطلاق، وإساءة المعاملة، وغيرها، إلا صورا حيَّة لمظالم نسائية تملأ أرفف المحاكم. * وما سبب الظلم؟ - صور الظلم الاجتماعي تتوزع على مستويين: مستوى ثقافي، ومستوى سلوكي، وبين المستويين ارتباط عضوي. فمقولات الثقافة المجتمعية، ونظرتها للمرأة، ولأسلوب التعامل معها ووسائل كبح جماحها، تترك ندوبها الغائرة في قضايا المرأة الواقعية. ومشكلة الثقافة المجتمعية أنها لا تحتكم للدين بصورة كلية، بل تعيد تكييف الدين أحيانًا ليؤيد مقولاتها. وبعد أن جاء الإسلام مؤسسًا لأوضاع كريمة للمرأة، لا مصوِّبًا ومصححًا للأوضاع السابقة فحسب، تم تكييفه لاحقًا لتسويغ ودعم مقولات الثقافة المجتمعية، ونظرتها، واستراتيجيات تطويقها للمرأة كما أشرنا، ومن أقرب الأمثلة وأشهرها على هذا طرد حديث نقص عقل المرأة ودينها في الثقافة المجتمعية، ليتجاوز التعليل النبوي وسياقه الإيجابي، إلى شتى مجالات الحياة بعد أن تم حقنه بدلالات سلبية، وتوظفيه في السلب كذلك، حتى أصبح النقص سبَّة، ووسيلة مراغمة وتحقير، وكأنما لسان حال أحدهم يقول: (أشتمكِ بكتاب الله وسنة رسول الله)!. ويحدث في سياق مقابل استغلال مثل هذه التحويرات المجتمعية الجائرة من قبل بعض المناوئين للشريعة، وإلصاق التحويرات بالشريعة نفسها، ويصبح دفاعنا عن الشريعة وإنصافها للمرأة أشبه بدفاع من يدرأ عن شخص تهمة لم يرتكبها في الأصل ! ثم إن تتبع تاريخ الظلم الاجتماعي للإنسان عمومًا، لا المرأة بخاصة يكشف عن ثنائية (الحضور والغياب)، في سجال تاريخي بين القيم الدينية وقيم الغاب ممثلة في (القوة)، وحين تحضر(القوة) التي يفوق بها الرجل المرأة بطبيعته، وما يصحب هذه القوة من سيطرة وإكراهات، يغشى الظلم مسرح الحياة الاجتماعية، ويغيب تأثير الدين من المشهد. * وعلى من تقع المسؤولية في ظلم المرأة؟ - نشترك جميعًا في تحمل المسؤولية تجاهه؛ فالقضية أعقد من اختزالها في وقائع فردية، أوفي ثنائية ذكر وأنثى، كما أن القضية أكبر وأعمق من حلها بتوجيهات إنشائية باردة، أو قرارات ليس من شأنها المباشر إصلاح التفكير، بل تتعلق القضية بإصلاح التفكير بصفة مباشرة، وبمدى تأثير القيم الدينية في حياتنا ومدى احتكامنا إليها، وتتعلق كذلك بأهمية إزالة الالتباس الواقع في المضامين الدينية التي تم استيعابها وإعادة توظيفها من وجهة نظر الثقافة المجتمعية المسبقة في المرأة. وهو دور يمس الجميع كلا من موقعه، ويبقى للتنشئة الاجتماعية الواعية دورها المهم والمؤثر، ومثلها إزالة الالتباس المذكور وهي مهمة اضطلع بها بعض خطباء الجمعة ولامسوها بشجاعة وجرأة أكبر من تناول بعض المثقفين الإسلاميين لها مع الأسف، فبعض المثقفين قد يشغلهم السجال الفكري أحيانًا عن الالتفات لمثل هذه القضايا وقد يتجنب بعضهم - وفقا لتقديراته الخاصة للمصالح والمفاسد- مساءلة بعض التصورات الاجتماعية، وإن كان صريحًا ومباشرًا في انتقاد الممارسات نفسها. وهذا أمر متصور في الخطابات السجالية الواقعة تحت إكراهات اللحظة الراهنة والمتسمة رغما عن كل شيء بالظرفية الآنية، بخلاف الخطابات الأكثر تحررا من ضغط اللحظة السجالية كخطب الجمعة. ويبقى رفع الظلم مسؤولية جماعية لا نخبوية ولا فئوية ولا فردية. * وهل أسهم السجال الدائر حول قضايا المرأة بين التيارات الفكرية السعودية في إصلاح وضع المرأة، أم لا؟ - نعم أسهم إلى حدٍ ما، فالظهور الإعلامي النشط في السنوات الأخيرة للداعيات والإعلاميات والحقوقيات، وتغير الموقف تجاه مشاركة المرأة بصوتها سواء في قنوات فضائية أو عبر وسائل الإعلام الجديد، يعتبر متغيرًا ملحوظًا في المشهد السعودي، فقد انعكس هذا الحضور إيجابيًا على المرأة التي أصبحت أكثر وعيًا بقضاياها من ذي قبل، وأقدر نسبيًا من ذي قبل على الحصول على استشارات قانونية واجتماعية نسائية، وهو ثمرة متغيرات عديدة يقع ضمنها دحض مقولة الوصاية الذكورية على المرأة. غير أن سجال التيارات أضرَّ بقضايا المرأة إلى حد ما أيضًا؛ فمن جهة الطرح الإسلامي يبقى المسار الفكري البنائي للمرأة أكثر المسارات تضررًا من حرب الاستنزاف التيارية، فالطرح الفكري- وإن كان توهجه حديثا في المشهد- غالبًا ما يدور حول الموضوعات الواقعة ضمن دائرة السجال، أما من جهة الطرح الليبرالي فالمسار الحقوقي هو الأكثر والأقدم تضررًا، حيث بات مختزلاً في قضايا هامشية بل في عنوان واحد أحيانًا هو (قيادة السيارة)، ودون أن يلامس مشكلات المرأة الواقعية. وعلى أية حال ليست الحالة السعودية حالة شاذة في هذا الشأن، فقضايا المرأة مثلت على الدوام حقلاً محتقنًا أيديولوجيا، وما زالت قضاياها تمثل ورقة ضغط سياسية في كثير من المجتمعات، والاختلافات بين المجتمعات في هذا الأمر اختلافات نسبية إن في النوع أو الدرجة كما هو معروف. * سبق وأن شاركتِ في الحوار الوطني حول التصنيفات الفكرية وأثرها على الخطاب الثقافي السعودي؟ فهل تغير شيء في الخطاب الثقافي؟ - لم يتغير شيء مع الأسف وما زالت الصور النمطية والقوالب الجامدة التي يضعها أرباب التصنيفات لبعضهم كما هي. وسبق وأن ذكرت في مشاركة صحفية قبل أربع سنوات أن «تصنيف الأشخاص فرزٌ موضوعي لهم بحسب آرائهم ومواقفهم للتعاطي معهم بصفة دقيقة، فهو يؤدي وظيفة إيجابية من هذه الناحية، وآفته تتمثل في استخدامه لتسديد ضربات موجعة للآخرين للنيل منهم وتشويه صورتهم من خلال وضعهم في خانات تقزمهم وتنفر منهم، وهنا يصبح التصنيف مقيتًا وباسم الضرورة الموضوعية يتم إخراجه عن وظيفته الأصلية ليمسي وسيلة للمغالبة ليس إلا». وما زالت الخطابات التصنيفية تصدُر وتًصدَّر أحيانًا من شخصيات يفترض أن تمثل الوطن وتسهم في إصلاح الواقع، لا تأزيمه كما تفعل بعض الشخصيات العامة. وما زلنا نتطلع (لا) لإلغاء الواقع الموضوعي بنفي التصنيف جملة وتفصيلاً، بل لتشجيع التفكير الموضوعي تجاه التيارات والأشخاص والأفكار، والذي تسهم بعض الكتابات -حينًا بعد حين- في تشويهه لا في تعزيزه. * وهل تغير ترتيب أولويات المرأة في مجتمعنا؟ وإن كان كذلك فما السبب برأيك؟ - بدايةً من هي المرأة المقصودة بالسؤال؟ أهي المرأة الزوجة؟ أم المرأة العزباء؟ أم المرأة الأم؟ أم المرأة العاملة؟ أم المرأة ربة المنزل؟ أم ماذا ؟ ففي النهاية نحن لا نتحدث عن المرأة المثال كما عند أفلاطون، والمرأة تتعدد بتعدد اعتبارات عديدة، وكما أن هناك أولويات خاصة بكل فرد منا، وهي أولويات تختلف بطبيعة الحال من فرد لآخر رجلاً كان أم امرأة، فهناك أدوار اجتماعية معينة تتوحد فيها بعض درجات سلم الأولويات بيننا، من ذلك مثلاً دور (المرأة الأم)، ذات المهمة السامية والحساسة والمرهقة والمؤثرة تأثيرًا أوليًا في الحاضر والمستقبل. والواقع أن المرأة الأم تعاني في عصرنا من تغير في الأولويات انعكس على الجيل، وباتت آثار هذا التغير بادية ولا تخفى على ذي بصيرة. والأسباب عديدة، ومن أهمها -في تصوري- سببان: الثقافة الاستهلاكية، وخطاب التنمية الذاتية، فأما الثقافة الاستهلاكية فسبق وأن أجريت دراسة حول الآثار الثقافية لظاهرة الاستهلاك عند المرأة السعودية وكان من أبرز الآثار التي خلفتها الظاهرة على المستوى القيمي، تراجع الجانب المعنوي في العلاقات، وسيطرة الجانب المادي عليها، وبخاصة العلاقات الأسرية ومن زاويةٍ أخص علاقة المرأة بذويها باعتبارها محور الحياة الأسرية وبوصفها الأكثر تعاطيًا مع مظاهر الاستهلاك وتأثرًا بها. وأما خطاب التنمية الذاتية، فهو وإن تمت أسلمته من قبل البعض، فما زال محتفظًا في العموم بأسسه المعرفية الغربية حتى وصفت الباحثة الفرنسية أميلي لورونار الطريقة التي يقدم فيها خطاب التنمية في كتابها (النساء والفضاءات العامة في السعودية) ب(المزج الهجين) المتبدي - برأيها - في الربط بين أفكار التنمية الشخصية، والنصوص الشرعية، فخطاب التنمية الشخصية وإن تمت أسلمته -أو تعبئة قوالبه الغربية بمضمون إسلامي- خطاب مؤسس على النزعة الفردية أو (الفردانية) يغرسها وينميها وإن بطريقة غير مباشرة، ولا شك أن آثار هذا الخطاب بنسخته الأصلية الغربية أو الهجينة الذي تم تلفيق مضامينه لا التأسيس لها بصورة كاملة، تقف على النقيض من غيرية الأمومة، حتى صادفنا من يقلل من فضائل الأمومة وتاريخ التضحيات الأمومي باعتبار التضحية إنكارًا لذات يجب أن تتقدم كل كل أمر، وكل كل أحد بلا استثناء. * هل لديك مخاوف حول انتزاع هوية المرأة؟ - لا ليس لدي مخاوف من انتزاع الهوية، فالهوية لا تنتزع بسهولة، وحتى إن انتزعت غلابًا فثمن الانتزاع باهظ، وما يحدث عادة أن محاولات السلب القسرية تنتج مقاومة، والمقاومة تنتج وعيًا، والوعي ينتج رسوخًا للهوية، أي نتيجة ضدية، وإن ظفر المستئصِل في النهاية ببغيته فعبر أساليب دموية، هذا ما حدث في معظم محاولات استئصال الهوية في العالم. وإن كان ثمة مخاوف فتتصل بتذويب الهوية، ولا أعني الهوية الأنثوية حصرا، بل الهوية العربية الإسلامية لأي فرد رجلاً كان أم امرأة، ففي ظل العولمة الثقافية تجري إعادة تعريف الإنسان، وإعادة إنتاج الهويات عبر وسائط عديدة مباشرة وغير مباشرة، ووعينا الجماهيري تجاه هذا الموضوع ما زال ضعيفًا مع الأسف، وتعزيز الهوية - دينية كانت أم قومية أم وطنية جامعة - في ظل العولمة الثقافية ليس سهلاً كذلك، وآثار إهماله فادحة إن على مستوى الانتماء أو الولاء.