حدث أرسطو بأنه «من النادر أن يغضب الإنسان من الشخص المناسب, بالقدر المناسب, في الوقت المناسب, للسبب المناسب، وبالطريقة المناسبة». لا شك أن هناك مقدارًا يكتفي به الإنسان من إحساس بعينه - غضبًا كان أو غيره - فيتوقف على مساحة معينة منه، مهما سيطر عليه، ومهما تشعب في جنبات نفسه، ولا بد أن يتخذ من غريزة البقاء درعًا ليحمي نفسه وإلا التهمه هذا الإحساس.. هي تقنية دفاعية لا شعورية، حتى لو سلمنا بأن الشعور هو مارد متمرد، يصعب كبحه أو لجمه، إلا أن الحقيقة أن كل شعور اختيار، ويبقى لنا من مساحة الحرية احتضان هذا الشعور والانغماس فيه وإطلاق يده في زوايا حياتنا، أو إعطاؤه فرصة آنية؛ كي يعيشنا ونعيشه، ثم نخرج من عباءته إلى بداية أخرى. وعلى الرغم من أن لكل إنسان زاوية مختلفة لرؤيته للأشياء، ومبررات متباينة في تعامله وردود فعله تجاه أحداث، إلا أنه - رغم ذلك - هناك إجماع على مدى تدمير شعور كالغضب. ومهما اختلف تفاعلنا مع الأحداث الخارجية والظروف التي نمر بها حسب السمات الشخصية أو المفاهيم المبنية في شخصية كل منا، وحسب التربية والنشأة، إلا أن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن إلا عن معرفة بالنفس البشرية وقدرتها على السيطرة على المشاعر السلبية، وخصوصًا الغضب؛ لذا ربطها بأفضل مكافأة يسعى لها البشر؛ فقد قال عليه أفضل الخلق: «لا تغضب ولك الجنة». الغضب هذا الشعور المعطل ينسل أمام العين فيعميها، ويستحل اللسان فيحيله إلى أداة قاتلة، وربما وظف الأعضاء لتساهم في جريمته مهما صغرت أو عظمت. فكم من علاقات تشتتت، وبيوت هدمت، وصداقات تناثرت على درب آلة الغضب الطاحنة الساحقة.. وكم من لحظة غضب هوت بصاحبها في هاوية الندم من نتاجها وما أسفرت عنه. اليوم يقبل علينا شهر الخير والبركة، شهر السكينة والتفكر، شهر العبادة.. فرصة لنتعلم فيه كبح جماح نفوسنا، والتغلب على ضعفنا، ليس فقط على الرغبات والشهوات، بل على ما يورثها موارث الندم والحسرة. اليوم نجدد عهودنا مع خالقنا بأن نقف لما يتحكم بنا - عن ضعف - بالمرصاد، ونتغلب على ما كل ما من شأنه أن يدمر حياتنا في لحظة. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.