تخطئ كثيراً حين تتصور أن نفثك لمشاعر الغضب التي تغلي داخلك، بسلوك سلبي أو عنيف تجاه الآخرين مجرد تنفيس تعذر عليه، مهما كان الغضب مبرراً ومفسراً بالنسبة لك، فلا أسوأ من الشعور بالغضب الذي يغلي معه قلبك ودماغك، سوى التعبير عنه بسلوك سلبي - سواء بالضرب أو الصراخ أو الكلام الجارح أو الخ.. والأصعب منه هو الندم الذي يتبع السلوك، ذلك الندم الذي يأتي بعد أن تهدأ عاصفة الغضب، وحين تكتشف حجم الدمار الذي تركته العاصفة، إنه دمار نفسي لا يمكن أن تشاهده بالعين إلا أن عيون القلب لا تخطئه، إنه يبدأ من داخلك حيث لا علاقة له بمن أخطأت في حقه ولا بخوفك من العقوبة أو اللوم، بل بما تخسره حين تنفث غضبك تجاه الآخرين، وبما تكتشفه في ذواتك من قسوة وأنانية وتعجرف، حين تتصور أنه من حقك أن تعبر عن غضبك كيفما تشاء لأن الأمور لم تجر بحسب ما تريد. ثم لا ينتهي هذا الشعور المؤلم بعبارة المسامحة والتجاوز من الطرف الآخر تجاهك، خصوصاً لو كان عزيزاً بل إنك لا تنسى كم كنت قاسياً بجانب لطف الآخر الذي نفثت في وجهه موجات غضبك، وتظل تلوم في نفسك؛ ألم يكن بالإمكان تحاشي هذا الغضب والتعبير عنه بطريقة راقية محترمة بعد أن تهدأ مشاعر الغضب الأولى. لا شك أنه يصعب تحاشي الغضب كانفعال شعوري فهو شعور إنساني طبيعي، ولا أعتقد أن هناك إنساناً طبيعياً لا يشعر بالغضب أبداً، مهما كان الشخص حليماً سمحاً لابد وأن يأتي يوم ويغضب. وما النصحية النبوية "لا تغضب" إلا إشارة إلى آثار هذه العاطفة، أكثر مما هي تشير إلى أسبابها ومثيراتها، فهذه موجودة في حياتنا على الدوام، والغضب من حيث هو شعور جزء من طبيعتنا، لكنه عليه أفضل الصلاة والسلام بنصيحته هذه كأنه يقول لنا "لا تخلوا بين أنفسكم وبين الانزلاق في نتائج الغضب الطائشة، وقاوموا الحركات التي تسير في تجاه فاسد بتوجيهها وجهة أخرى" لذلك فقد وجهنا للقيام بأفعال تساعد على ضبط انفعالاتنا بتغيير وضعياتنا التي نحن عليها، أو بالضوء بالماء البارد أو الفاتر سواء بوضوء أو بغيره من شأنه أن يخفف من سخونة الشعور الذي يغلي بداخلك. وكما هو واضح من التوجيه النبوي لا قيمة هنا للأسباب، فكل منا حين يغضب يرى أن غضبه مبرراً، والانفعال سيحصل ولا شك، هنا وفي هذه اللحظة لا قيمة لأي مبرر تعتقد أنه يبرر غضبك أو يفسر غضبك بل الأهم من كل هذا أن تتحاشى أن تنزلق مع الشعور الانفعالي فتقوم بسلوك سيئ تنفث فيه غضبك وتسيء به لشخصك أكثر مما تسيء للآخر.. وبقدر ضبطك لانفعالك السلبي هذا بقدر ما ترتقي بخلقك ويصبح لديك رادع من نفسك لنفسك فتكره أن تغضب وتتحاشى مثيرات الغضب لأنك لا تحب أن توضع في ذلك الموضع الذي تتغلب عليك فيه انفعالاتك السلبية فتحط من قدر نفسك بسلوك يقلل من احترامك بالصراخ أو بقول أو فعل ما لا ينبغي، فتسيء للآخرين بما يمكن أن يؤثر على علاقاتك بهم، وقد تخسر ما لا يمكن استرجاعه فيما بعد.