الجهاد الشرعي بمعناه القتالي لا يتحقق عند أهل السنّة والجماعة ولا يعتبر جهاداً شرعياً ما لم تتوفر فيه شروط خمسة، أولها: أن يكون دافعه مرضاة الله سبحانه وتعالى، ويهدف لخدمة الإسلام وإعلاء راية التوحيد. ثانيها: أن تتهيأ للمسلمين القوة القادرة على أن تجعل من النصر احتمالاً قوياً. ثالثها: أن لا تترتب عليه مفسدة، أعظم من مفسدة ترك الجهاد. رابعها: أن يكون له راية معلومة، وهدف واضح، فلا يكون مثلاً دافعه نصرة لحركة سياسية أو توجه حزبي. خامسها: أن يأذن به ولي الأمر، ويوافق عليه. وقد استثنى من إذن ولي الأمر جهاد رد المباغت في جهاد الدفع، في حالة أن يهاجم بلاد المسلمين عدو فجأة، في هذه الحالة (فقط) قد يسقط إذن الإمام، أما في بقية أنواع الجهاد، طلباً أو دفعاً، فلا بد من توفر تلك الشروط الخمسة التي أوردتها آنفاً. والسؤال: هل ما يقوم به المحرضون على ما يُسمى بالجهاد، وهو محض فتنة، يعتبر جهاداً؟.. غالبية فقهاء المسلمين لا يعدونه جهاداً، ومن مات فيه مات ميتة جاهلية؛ ذلك لأنه ضرب من ضروب الانشقاق، ومنازعة الأمر أهله، وتعد وافتئات على ولي الأمر صاحب البيعة الشرعية, وامتداداً لهذا السياق، فإن من أسقط الراية، أو أسقط إذن وموافقة ولي الأمر، فهو موضوعياً قد خرج عن الجماعة، وتمرّد على البيعة وشقّ عصا الطاعة، واستحق بذلك التعزير والردع، كائناً من يكون، فهو بهذه الصفة من الخوارج. جماعة الإخوان، ومعها السلفيون المتأخونون - (السروريون) - في بلادنا، أو في خارجها، يَدعون جهاراً نهاراً إلى الجهاد، أو كما يسمونه نصرة الإسلام والدفاع عن حياضه ولم يتطرقوا إلى ضرورة أن يأذن الإمام لهم، ولا لمن يستجيبون لدعوتهم، بالنفير إلى الجهاد؛ ولعل سكوتنا عن هؤلاء الخطباء الثوار، والسروريين منهم بخاصة، وعدم ردعهم ومحاكمتهم، كان من أهم أسباب انتشار وتجذّر الإرهاب. لا أريد أن أتحدث عن الماضي، وعن تفريطنا في إسكات هؤلاء الخوارج، ولكنني آمل من كل قلبي منذ الآن أن نُجبرهم على الالتزام بشروط الجهاد الشرعية التي تطرّقت لها آنفاً، وكل من اعتلى منبراً في مسجد، أو تلفظ وحرّض على الجهاد دون إذن ولي الأمر يُجرّم، ويعامل بحزم لا يلين. إنها دعوة صادقة لكبح جماح هذه الفتن، بأن نصدر نظاماً حازماً، يُنص فيه بوضوح، أن كل من دعا إلى الجهاد دون إذن ولي الأمر فإنه سيُعاقب؛ ويجب أن يكون العقاب في منتهى القسوة، لأنه أولاً تشويه لحكم شرعي نصَّ عليه القرآن والسنة، وثانياً أنه يحرّض العالم من أقصاه إلى أقصاه على المسلمين؛ وأعرف يقيناً أن نظاماً كهذا فيما لو صدر، لحاصر الإرهاب، وكمّم أفواه المحرّضين الادعياء على مثل هذا (الجهاد البدعي)؛ فهم - كما عرفناهم دائماً - انتهازيون، وصوليون، ودعاة ثورات وفتن، وما التزامهم الشكلي بمظاهر الإسلام، إلا لذر الرماد في العيون، ليغرروا بالشباب البسيط الساذج، أما قلوبهم فلا علاقة لها بالدين فضلاً عن نصرته. إلى اللقاء.