سبق الرجل المرأة لميادين العلم والكتابة فتطورت مخيلته ونما وعيه الثقافي قبلها، وبقيت هي رهينة لن أقول للجهل بل للبعد عن القراءة والكتابة. ونفيتُ عن المرأة (الواعية) غير المتعلمة تهمة الجهل، لأن المرأة تملك ذكاءً فطريًا عاطفيًا منحها الرؤية الثاقبة وأحوى لها أن عدم تعليمها لا يلغي أنها معلمة المجتمع العطاء، فعرفت كيفية النماء وانهمار التضحية، وكيف يجب التعاطي مع الدور المنوط بها لصنع رجال المستقبل. فكانت مرهفة دقيقة فيما يخص الحس ويلخص مهارتها الاجتماعية وحتى الثقافية ولكن على نحو ضئيل وفق ماأتيح لها في بيئتها الاجتماعية والفكرية، حتى إذا ما تطورت تعليميًا تبنّت دروب الثقافة ونهلت من منابعها وحاولت ومازالت تصارع القوالب الفكرية المعلبة بهامشية دورها وعدم قدرتها على الصمود بل وحتى الوصول لدور ريادي ثقافي مع شريكها الثقافي!. بعد هذا يجدر بنا البحث عن إجابة عن السؤال الآتي: هل الوعي الثقافي الآن بين المرأة والرجل وصل بينهما إلى التفاهم واحترام مقدرات كل منهما الفكرية؟. أقولها وبصراحة في الغالب المثقف بإدراك وبلا إدراك منه تجاوب مع ذهنية المجتمع عن المرأة، حتى حين آمن بوجوب مشاركتها في الحراك الثقافي قيّدها بعراقيل نرى أسبابها ونتائجها واضحة فيما يكتب المثقف عن المرأة شريكة الحراك، وحتى البعيدة عنه. لننظر للمثقف بتسليط الواقع على الضوء ابتداء من بيته إلى حيث يقع ويستقر حرفه..أين مكانة المرأة المثقفة ودورها؟. أغلب هؤلاء المثقفين حتى الصاعدين منهم في سلم الثقافة ارتبط بزوجة لا يعنيها الشأن الثقافي، ولا تسعى لتكون جزءا منه، هل هذا لأنه يخاف من السكنى معها فهي خطيرة على بيته ونشأة أبنائه، لهذا أراد أن تكون محط إعجابه من بعيد فقط؟!. الأدهى من هذا والأمر أن بيوت المثقفين غالبًا لم تخرج منها مثقفة، ولم يستنر من فكرها المجتمع وإن حصل فمن خلال الدور التقليدي الذي تربّت عليه أمهاتنا، أو من خلال العمل كموظفة كادحة. أين هي ابنة المفكر وأين نور الثقافة ونضج الوعي فيها.؟! لماذا لم تظهر على الدنيا وتطلعنا على تراكم المنطق والوعي وحرية الفلسفة فهي من تربّت في بيت من المفترض أنه لمثقف يعي دور المرأة ويؤمن بأن لا حراك ثقافي بدون مشاركتها؟! هل يعزى هذا الغياب لأن المثقف يرفض ظهور ابنته أو أخته أو حفيدته المثقفة؟! أم أنه قشل في أن يجعلها مثقفة، وفشل في خلق بيئة ثقافية تتعدد أقطابها في بيته؟!. يا سادة يا مثقفون أكرر السؤال: أين بناتكم وأخواتكم من صناعة المشهد الثقافي أين هن عن فروع الأدب في القصة والقصيدة والمقالة؟!. أما عن المرأة شريكة الحراك الثقافي في مستقر حرف المثقف فهناك ثلاث صور متباينة: مثقف كفر بكل مقوماتها الفكرية فهي في نظره أقل منه في فن الكتابة ومهمة الثقافة وهذا النموذج لا يخجل وفرِح بفكره ويروّج له عن قناعة من أجل افتعال الخصومة، وصناعة ضوء يعصمه من انهمار الظلمة عليه. مثقف آخر من باب صناعة نجمات الغد يحاول تشجيع الموهبة الجديرة لإعدادها لاستقبال خبرات تراكمية ستضيء بها الثقافة العربية مستقبلًا، وهذا النموذج النادرهمه وشغله الشاغل مستقبل الوطن الثقافي الناجح. وثالث راح يتبنّى كل خطوة ثقافية _وإن كانت هزيلة_ تقوم بها المرأة ويروّج لها على أنها الفتح العظيم لينفي عنه _بغباء_ تهمة النظرة الدونية للمرأة ويركب الموجة ويُعد من دعاة التنوير. وعلى هذا المثقف وأمثاله ذكر الشاعر محمد الألمعي أنه: «أصبح يتوجس من أي إشادة بكاتبة حتى من الأقلام المحترمة». وبغض النظر عن المنطلقات التي ينطلق منها الشاعر الألمعي في نظرته للمرأة فأنا أشاركه القليل من التوجس ولا أطلقه على عنانه. - نادية السالمي