محمد بن زايد الألمعي ابن الجنوب البار، من قمم جبال ألمع صافح الشموخ والسمو، ومن امتداد الأفق صنع لنفسه فلكاً لا يغادره أبداً، يشعر بغربة وبخذلان لكنه يبتسم! ينال طعنات من هنا وهناك وما يزال واقفاً، يشعر أن كل شيء يسرق أمام أنظارنا ويزعجه أنه بات مثل كثيرين مكتوف الأيدي، لكنه إن منع من الفعل فما زال قلمه يدافع ويذود عن الحمى نثراً وشعراً. يرى أن وزارة الثقافة ما تزال تمارس الوصاية على الثقافة والمثقفين، ويؤكد أن الساحة الثقافية مستباحة للكل قراراً ومساراً، ويحذّر من تفاقم الفجوة الأخلاقية في مؤسساتنا الثقافية، يحن كثيراً إلى فطرة الماضي وبراءة أهله وصفاء النيات ويعتقد أنها البناء الفلسفي القوي لمجتمع متحضر. يقيم أمسية لنثر الشعر فيخرج في صحبة الشرطة خوفا عليه، تحتار بين بعثرة أوراقه وترتيب أفكاره، يفزع للكل وينسى نفسه! شاهد على الكثير من الحراك من الداخل والخارج هو اللاعب والمتفرج وأحياناً الحكم، وقد يكون الكره التي تتقاذفها الأقدام لتسجيل الأهداف. هو مشاغب نقي وهارب من كل ضيم، يؤرقه قوت عيش صغاره فيجعله أسيراً لما لا يرضى، خاض تجربة مع نادي أبها الأدبي لم تكتمل وما زال لا يحب الخوض في تفاصيلها حيث تسكن كل الشياطين، هو في ترحال دائم لكنه يتوقف في هذا الحوار مع «الحياة»، لنعرف أكثر عن حارس السنبلة محمد زايد الألمعي... فإلى التفاصيل: «عسير»... هل منحتك اسمها كما منحتك خيراتها؟ - عسير منحتني فرصة التأمل لتحولات مجتمع الريف العشائري المتكافل المنتج المتسامح، إلى مجتمع يستأنف العصبية في بلورة الشخصية المتناقضة الازدواجية التي أصابت المجتمع السعودي وأربكت هوياته المحلية، فتشكل مزاجه بين ردين، واحد يتمرس وراء الإقليمية في أردأ تجلياتها، وآخر يقفز فوق الوطن عبر أدلجة ذات نزعة أممية عابرة لكل حدود الوطن ومصالحة. «عسير» جعلت أمامي الصورة واضحة لأقرأ من خلالها أبجديات التحول، وأستقري أيضاً إمكانات إعادة صياغته التنوع بمعناه الإيجابي المتحضر، وتثري صورتها بوجوه هوياتها المتعددة التي تصب في نهر الوطن الكبير، عسير هي الصدر الواسع منذ أكثر من قرنين. وللأسف كانت في العقود الأخيرة مختبراً للتجارب الثقافية التي أفرزت أصواتاً ناشزة. «عسير» ستكون بوعي الكثيرين من هذا الجيل تجربة النضج والوعي والانتماء فقط بقليل من زاد الحرية والصدق مع الذات ودحر الاستلابات. درست الأحياء واللغة العربية، وتخصصت في زراعة المناطق الجافة، وتعمل باحث إحصاء في وزارة المياه والكهرباء... هل هذا نص حداثي؟ - كل حياتي تأسست على الهروب من كل مناخ يستولي على استقلاليتي، وولائي للكلمة، لذا اخترت دراستي بعيداً عن العلوم الإنسانية، التي قد تجعلني أكاديمياً يفتقد قدرته على مراجعة ذاته وطرق المجهول في الفكر والفن، حتى أنني حين جربت دراسة اللغة والأدب تخصصاً ثانوياً فشلت ولم أحصل إلا على أقل الدرجات. لماذا لم تحترف الثقافة وتكتفي بالزيارة الموقتة لوظائفها؟ - كما قلت، حساسيتي من التبعية تقلق مصيري، ولم أجد أي تناغم بيني وبين المؤسسات التي تورطت فيها بحسن ظن في الآخرين، فاكتشفت هوة أخلاقية مريعة بيني وبين محيطي، لذا اخترت الابتعاد مرة بعد أخرى، ومع هذا ما زلت أكرر أخطائي وأحسن الظن، وأستأنف من جديد، بأمل أن الآخرين فهموا الدرس، ولكنهم دائماً يعتقدون الاعتقاد ذاته ويظنون أني تنازلت عن أولوياتي ومبادئي، ولا أظن هذه الدائرة ستنتهي. مشاغباتي وافكاري المشاغب النقي.. هل هذا أصدق وصف عنك؟ - طبيعتي مسالمة وهادئة، وأحاول دائماً ألا أشخصن خلافاتي، وأن أتركها تنضج كأفكار، لكن طبيعة المجتمعات الشمولية لا تقر هذا الفصل، وكثيراً ما وجدت الصورة عند الآخرين تلبسني إدانات لا علاقة لها بجوهر آرائي، وبعض الخصوم العقلاء سرعان ما اصطفوا إلى جانبي بعد أن عرفوا شخصي عن قرب. لماذا تكاثرت أسئلتك مبكراً؟ أهو القلق أم شيء آخر؟ - أخالني تعرضت كغيري من جيلي، إلى أساليب تربوية لا تتقصى شفافية طفل ومراهق حالم، متلذذ بدهشة السؤال، وقلق المعرفة، كانت شخصيتي شديدة العزلة والخجل، وهو ما صرفني كلية إلى المجردات المعرفية، وقراءة الفن والفكر والفلسفة، وتذوق الموسيقى والغناء، حتى أن زملاء الدراسة الذين عادوا كأصدقاء اليوم، بالكاد يتذكرون حضوري في المراحل الدراسية الأولى وحتى الثانوية، وكثيراً ما أجهد لإثبات زمالتي لهم في الصف الدراسي. أن يسبق عقلك زمنك... هل هي نعمة أم نقمة؟ - أحس تجاه هذا التساؤل بمزيج من الغبن والحسرة، والجموح نحو اجتراح زمن بديل، كثيف الحضور، وكم أحب أن يستعيد سواي إشاراتي المبكرة في مسائل لم يتجرأ عليها الكثير إلا في السنوات الأخيرة، ولكني في بعض الأحيان ومن خلال قراءاتي لسيرة رواد كبار، أدركهم الإحباط والغبن، أشعر أن ذلك قدر مركب لا ذنب لي فيه، بل ربما لو لم يكن لفقدت الكثير من العمق وتأصيل التجربة. إن بناء الأفكار المجردة، من معطيات معرفية ومادية، مسألة ذات شروط ومهارات عقلية ذاتية، أما درجة الاستجابة لها فتخضع، إضافة إلى الوعي، لشروط تاريخية تستقرَأ من المخاضات الاجتماعية والتحولات في وجدان الشعوب، وغالباً ما تكون الاستشرافات الفكرية سابقة لها، وقديماً قيل (المعاصرة حجاب)، حين نفسرها في سياق حديثنا هذا. هل قدرك الترحال من جبهة إلى أخرى؟ - نعم، قدري أن أكون سلسلة من التجارب غير المكتملة في الحياة العملية، دراسة ووظيفة وكتابة، وحتى في دوري الاجتماعي أباً ورب أسرة، وناشطاً في مجالات متعددة، قدري أن أظل دائماً أتنقل من الرؤية المجردة، إلى انتهاز فرص تأصيلها وإعمالها في الواقع، ليس لدي عقد تجاه أعمال الآخرين، ومساندتهم، وتيسير طريقهم نحو ما لم أستطعه أنا شخصياً. ومع كل هذا ينتابني الضعف الإنساني فأتألم إن لم يصنعوا معي ما صنعت لهم، إلا أنني كثيراً ما ألتمس لهم العذر، لأكرر من جديد تجربة الأمل في الفكرة والإبداع والحركة الواقعية. ربما كنت بهذا حلماً يراوح بين يقظتي وعيون الآخرين، التي كثيراً ما رأيت فيها شياطين انتهازية غافية، وكأني بهذا أتلذذ ببعث خيباتي المؤلمة التي تؤججني من جديد بالحلم والأمل، ببساطة أعتقد أنني أتوهج باقتراح خيانات جديدة! هل جيلكم عاش التهلكة في كل اتجاه؟ - شخصياً لديّ حدس يتجنب الخطر، ولكني لا أتردد مطلقاً إلا في الجوانب التي قد تقيد حريتي، تلك التي تقربني من المساءلة فيما يؤثر في مبادئي وأفكاري، ورؤيتي، لذا أكون ضعيفاً وهارباً من المواجهة حين تكون المسألة مرتبطة بموقفي، أهرب بمواقفي وأحميها من التلصص والوصاية. الحذر الذي استظللت به طويلاً... هل سينجلي أمام متغيرات المجتمع الجارفة؟ - لست حذراً ولكني مغامر في حدود فعالية موقفي، لا أريد أن أبدو مسوقاً لشخصي على حساب أفكاري، أحمي الشخص من لوثة النجومية الزائفة، والتسلق على أفكاري نحو المصالح والمناصب، حذري هنا محسوب وله معاييره التي لا أتنازل عنها، كونها الحصن الذي سيبقى، بعد أن أهدرت العمر في سبيل بنائها على حساب مصالحي ورزقي الذي يزداد ضيقاً، كلما ازدادت مواقفي اتساعاً! صوتك مرتفع، لكن وجودك هادئ... كيف جمعت بين النقيضين؟ - صوتي هو الملكية الوحيدة التي يسيرها اختياري، أما وجودي فهو رهن بعيون أطفالي ولقمتهم، وقد عودت نفسي على ما يمكن أن أسميه الفاقة الإيجابية، وتجاهل مكابدات البحث الشره عن المادة التي قد تدمر توقي المجنون إلى الحرية واستقلالية الموقف. قد لا تصدق، وأنا في هذا العمر، لا أستطيع استخلاص حقوقي المهدرة عند أقرب الناس إليّ، وأنني لم أمتلك في حياتي أي مصدر رزق آمن، ولم أدخل إدارة حكومية أو أقف أمام مسؤول أستجدي منه خدمة، مستثمراً اسمي أو حضوري الثقافي، ومع هذا لا أجدني أتردد أن أقوم بهذا الدور حين أستطيع لسواي، وهنا تتجلى خيبتي التي لا علاج لها بعد هذا العمر. لك مصطلح جميل هو «البتروإسلام»، وتلقي عليه بتبعات سرقة الحياة من مجتمعك ومن ما حولك... إلى أي مدى تؤمن بهذا المصطلح؟ - هذا المصطلح نحته سواي كثيرون، ولكنه كان يستخدم من قبيل الإدانة لنا مجتمعاً وهوية، وربما أسهمنا في تكريسه، ولكني أعتقد بأننا الأولى بتفكيكه، وإعادة صياغته باتجاه إيجابي حضاري، فلا يسلم معطياته للجهل والتطرف، والفكر الإقصائي، والهويات الهامشية التي تختزل الكون في نظرتها الانعزالية طائفياً ومذهبياً. البتروإسلام أداة مختطفة علينا أن نعيد تأهيلها لزمن جديد وحضارة مفقودة المعالم. ما السبيل إلى خطاب عادل يطيب جراحنا ولا يصرخ فينا؟ - أزعم أن ما ينقصنا ليس النوايا الطيبة، ولكنه الأساس الفلسفي لمفاهيم المجتمع والشفافية، والكثير من المصطلحات التي نبشر بها . نحتاج إلى مناخ فكري يقوم بتنزيل هذه الأفكار إلى واقع عملي حاضن لسيروتها وفعلها، ولعل تجربة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، هي الفضاء الأمثل لصياغة مشروع التحول، ولم نر في الأفق سوى اجتهادات فقيرة في أساسها المعرفي، ومؤطرة في الغالب ببهرجة احتفالية، وصيغ مترددة تقدم خطوة وتؤخر أخرى، في رأيي إن مشروع الحوار الوطني في حد ذاته يحتاج إلى (حوار وطني) يؤطره ويعيد تأسيسه ودفعه إلى مساره الصحيح. الإرهاب... هل منحناه القوة في وقت ما دون أن نقصد؟ - الخطاب الإرهابي يستقي مقولاته من مناخ صنعناه عمداً، وظننا أنه حصن يدافع عن هويتنا ومشروعنا الوطني، ونفوذنا الإقليمي، وربما كان لتهويل الخطر على مصالحنا من أيديولوجيات صاعدة في منطقتنا، دور دفع بنا إلى عدم استقراء المستقبل، وقراءة آفاق مصيرنا، نحن في هذه البلاد لا خلاص لنا ولا قوة، إلا باستبعاد كل مشروع نفوذ يقدمنا مخلصين للعالم من خطاياه. المجتمع الإنساني اليوم سوق شاسعة للأفكار التي يتم تسليعها، بآلة العولمة الرأسمالية، ولا أخلاق للرأسمالية المتوحشة، ولذا علينا أن نضيف بعد العدالة والأخلاق إلى هذا السيل الجارف، علينا أن نقدم قيم العدالة والحق والخير والجمال، واحترام الإنسان مهما كان جنسه ولونه ودينه. وعلينا أن نكف عن دور اقتلاع إيمان الآخرين، بإيماننا بعدم العنف، وترك التفسير القتالي للدين، متجاهلين شراكتنا لبني البشر في هذا الكون. إن الحق لن يكون معنا ما لم نحترم حياة الآخرين، فهذه النزعة جعلتنا في صراع مرير مع أبنائنا وأهلنا وإخوتنا، الذين نزعنا عنهم صفاتهم الإنسانية وحبهم للحياة، وشحناهم بكل معاني العدوانية والعزلة. ولعلي لا أقول جديداً حين أذكر أن كل فلسفات البشر وأديانهم تلتقي في القيم العليا، ولكنا أبينا إلا أن نعلق مطالبنا وحقوقنا، بعداء شعوب صنع قوتها ونفوذها وسطوة ظلمها قيم العمل والإنتاج، وإعلاء قيمة الفرد واحترام عقله، وبكل أسف قمنا بمحو هذه القيم من أولوياتنا، وجعلنا ضمائرنا تفتش في ضمائرهم وتمحو آدميتهم بوحشية بدائية تنهل من أزمنة الغزو وتتعلق بحبال الغيب الذي لا يدركه سوى خالقه. حراس النوايا... من منحهم السلطة والقرار؟ - حين يصبح الشخص هو القانون، والخوف من المعلومة هو المعلومة الوحيدة، ينهض التوجس ويغدو المتلصص هو مركز المعلومات. لماذا غربتك الاجتماعية حاضرة؟ - سؤالك أقرب إلى الإدانة، وجوابي لن يكون بريئاً، وربما بعد أن أموت سيكون كل ما قلت هو الجواب. قلت عن مهنة الصحافة «هذه المهنة تشترط مواقف براغماتية تتناقض من حيث المبدأ مع الالتزام الأخلاقي للمثقف وانحيازه التام إلى الحرية والإبداع»... هل تظن أن الصحافة طرف آخر بعيد لدرجة أنه لا يحمل هماً ولا مبدأً؟ - الصحافة لا أحبها وظيفةً، كما أنني فشلت عملياً في التناغم مع ناجحين في هذه المهنة، حين اكتشفت قدرتهم على ممارسة أخلاقيات، تنقصني والحمد لله، لضمان استمرار نجاحهم، وهذا الواقع ما زلت مصدوماً منه، ويثير اشمئزازي الحديث فيه. متى ستعود إلى بلاط صاحبة الجلالة؟ - أنا موجود كاتباً، ولن أعود مهنياً، وهناك معوقات ستنهي انقطاعي كاتبَ رأي. الحميمية واضحة بينك وبين الإعلام الجديد، فنرى منتدى هنا، ومدونة هناك... حدثنا عن الأمر؟ - أنا من القليلين من جيلي، الذي واكب التحولات التقنية، وطبيعتي في البحث الدائم عن أدوات للحضور والتعبير، ألزمتني بالمواكبة لكل هذا الفضاء، ومشكلتي الوحيدة فيه عدم استطاعتي التخفي، فأنا أكتب وأنشر باسمي الحقيقي. وهذا ما يجعلني في حيرة مع كتابات وإبداعات وأفكار، مجهولة النسب يحزنني تجاهلها على رغم أهميتها، ومع كل هذا فأنا ملوم بتقطع حضوري، وعدم انتظامي! كسر التابوهات حيلة قديمة منحت الشهرة للكثيرين... أتظنها بأي حال من الأحول تمنح المكانة الأدبية؟ - أظنك تقصد في الأدب بالذات، لذا أحيلك إلى ضجيج الأجيال السابقة، وتأمل من تبقى منهم؟ غابت المرأة السعودية زمناً وطُمِس وجودها... هل ترى سيعوض عليها ما فتح لها من نوافذ؟ - المجتمع في حال ردة مخيفة، والأسرة الممتدة تتعمق سلطتها على حساب الاختلاط الإيجابي وتمنع تشكل أنوية أسرية مستقلة تكرس صناعة مجتمع الدولة والمواطنة الحقة، فالزيجات المختلطة تتلاشى، مقارنة بالأجيال السابقة، وأبناؤنا يختارون علاقاتهم بحكم القربى، فيصطدمون بزيجات، في الغالب، لا تتناسب مع فرضياتهم التي بنوها عبر وسائل الاتصال الحديثة، وفضاء العولمة، وهنا تكون المرأة الضحية أولا. ولا أمل إلا بهزة عنيفة للوعي، وقرارات سياسية شجاعة، وفتح أبواب جديدة للعمل والاختلاط، والتعايش السوي، نحن - باختصار - نعاني من تشوه عميق، لوث سلوك جيل بأكمله، وهتك آدمية العلاقات الاجتماعية، وكسر المرأة شخصية وحضوراً وإرادة. ولا بد من نظرة جادة على أعلى المستويات، لإدماج المجتمع في مشروع إصلاحي وظيفي اجتماعي، يعزل كل مكونات الخطاب الاستلابي الترويعي، ويراجع ما تراكم من أنظمة وتشريعات بنيت على تأويلات خاطئة للدين الإسلامي، وقررت في غفلة من التاريخ أن تجعل من نفسها الحقيقة والقانون، فحملت المجتمع ذنب التخلف، وكأنها شرعت له الجهل، وأدانته به في الوقت نفسه! أمهاتنا... هل كان لهن سماء حرية أكثر من بناتنا الآن؟ - نعم بكل تأكيد ومن يقرأ تاريخنا القريب، وكتابات من زاروا تخوم مناطقنا ومدننا وأريافنا البعيدة، سيرى مدى الجناية التي نعاني من تبعاتها اليوم. المرأة في الجنوب... هل انتصرتم لفها وأعدتم لها حقوقها؟ - لا وألف لا، للأسف. برأيك... ما مدى سلامة المنتج الأدبي ونحن نفتقد التواصل مع نصفنا «الآخر» في كثير من جوانب حياتنا؟ - الحياة الأدبية مشوهة التكوين على المستوى المؤسسي، ولكنها جزء من تشوهٍ أعم. الحب والأنثى يتدثران بالرمزية في ما تكتب... لماذا؟ - لا أعاني من فقدان يستحضر المرأة والحب كثيراً في كتاباتي، وهناك أبعاد رمزية للأنثى قد تكون التبست على القارئ العابر. كيف تبدو ملامح المرأة في قصيدة الألمعي؟ - هي ملامح الحرية والوطن بكل أبعاده. كيف نثبت شرعية العلاقة بين الرجل والمرأة خارج إطار مؤسسة الزوجية؟ - بإقرارنا بآدميتهما وحقهما في الحياة، بعيداً عن هواجس الريبة، وبعبع الفعل الجنسي. هل تشعر بأن بعض الفتاوى لا تحترم إنسانية المرأة؟ - في بعض الأحيان أحس أن هذه الآراء (ولا أسميها فتاوى) هي اعتراض من دون وعي على إرادة الخالق، تعالى الله عما يصفون. أدب الأطفال والكبار الأدب السعودي متى سيجد طريقه إلى أطفالنا، ويحدثهم كما يجب؟ - الأدب السعودي لا يجد طريقه إلى الكل صغاراً وكباراً، إلا بشروط الأوصياء. كتبنا المهاجرة، وكُتّابنا المتعلقون بحرية الآخر... متى ستنتهي رحلاتهم المغادرة؟ - هذه كتب مهجَرة، لا مهاجرة، فتصدير الأدب يختلف عن طرده منفياً. من ظلم الآخر نحن أم موروثنا الشعبي؟ - الأدب الشعبي مختزلٌ في سيادة لهجة، تستلب التنوع ووجدان الأطراف، وتسيد الأقلية الأقوى، ويتبع هذا بقية أشكال التعبير عن الموروث، المشكلة في (النحن المتعددة) التي نظنها واحدة. تقول: «نحن ننظر لأنفسنا برؤية تهدم، نحن ضد معالمنا وضد ثقافتنا المحلية»... ما الذي دفعك إلى هذا؟ - الصحراء معالمها تجريدية، لغوية، فهي تسمّي معالمها القليلة بمئات الأسماء وتختزل الكون في مسمياته المجردة، لا في معالمه المادية، لذلك حين عدنا لآثارنا، هدمناها لنبني مآثرنا المفرغة من الماضي على أنقاضها. الإقصاء والخوف من النقد... هل حرمانا كلمة وطنية فاخرة؟ - الإقصاء والخوف يكونان من المعرفة أولاً، ففي العقل البدائي الكلمة والكتابة محتكرة من كهنوت القبيلة، ولذا يصبح كل من يقرأ محاطاً بسياج المعرفة المحتكرة أمام الأميين، فإذا كان الأميون سلطة، نبذوه خوفاً، ونبذوا معه المعرفة، والسؤال، والنقد، وطوقوا عزلتهم بكهنوتهم الخاص ومعرفتهم الانعزالية. لدينا خلفيات ثقافية متعددة ونشاطات إنسانية ملونة... هل استغللنا ذلك لمصلحة المشهد الثقافي السعودي؟ - لا تأتي هذه الأمور بقرارات أو حسن نوايا، تلك مسألة تتعلق بالتربية والتسامح والاستمتاع بالنشاط الإنساني، وإعادة تمثله بحب، ونحن نفتقد هذا الحب للحياة والبهجة. محلياً نمتلك كتابات جريئة تقابلها دراما خجولة... هل سنخسر الكثير بسبب ذلك؟ - نادراً ما تغدو المهارات الفردية والإبداع مهناً خلاقة قابلة للتعايش مع متطلبات الاستهلاك للدراما، وسواها من الفنون الجماهيرية، جزر الإبداع منفصلة لدينا عن بعضها، لأسباب تتعلق ببنية المجتمع، والأطر المؤسسية للإعلام والثقافة. مرثية الخونة... أي وجع يسكنها؟ - قصيدة ليست في أولويات رؤيتي الإبداعية، قد يكون مضمونها شغل الكثيرين بالتأويل، وقد كتبتها في أوائل 2003 وفوجئت بانتشارها، وقراءتها على خلفيات يفترضها الآخرون، ولم أكن معنياً بها في حينه. «أنسى لكني لا أسامح» من يحيا هنا ومن سيموت؟ - أظن العبارة تصح هكذا على رؤيتي، فقدرتي على النسيان ممكنة، أما أن أسامح من آذاني فذلك شكل من المخادعة وخيانة الجرح! من يعطل المجتمع المدني، ويسرق منه حلمه؟ - يعطله عدم الوعي به، ونحن من أفضل المجتمعات التي يمكنها صياغة أطرها الاجتماعية، واستثمار تقاليدها في هذا الجانب، والحديث طويل عن كيفية ذلك. لماذا بعض الكائنات تتعامل مع إبداعكم كما يرجم المشعوذون؟ - ما دمت تكتب فأنت مشعوذ، في أعماق البدائية الكامنة، قلت هذا أعلاه. تأتي لتشارك في أمسية، وتخرج منها في صحبة «الشرطة» أي نص هذا في مشهدنا الثقافي؟ - ليحرسوا أحلامي من المفسرين. لماذا يكثر «سوادهم» في محافلكم ويثيرون غيظكم، وفي المقابل تحجمون عن حضور عن فعالياتهم وأنشطتهم؟ - يحضرون جهلاً بنا، ونغيب معرفةً بهم. هل تتغير أولوياتك فترة بعد فترة؟ - أولوياتي نعم، مبادئي لا. الأندية الأدبية من رعاية الشباب إلى وزارة الثقافة... هل يتغير الجسد بتغير الرأس؟ - خضت كثيراً في هذا، ونجاح وزارة الثقافة في أنها جعلتنا على مدى السنوات السابقة، ننتظر حتى تتضح الصورة، وما زلنا ننتظر. متى تتحول الأندية الأدبية إلى مؤسسات مستقلة مدنية؟ - حين تكف وزارة الثقافة عن عقلية التأميم. مؤتمر الأدباء الأخير... هل أروى ظمأكم أنتم المثقفين؟ - كان مؤتمراً عن الأدب، لا مؤتمراً للأدباء، وفي البيان الذي وجهناه للوزير بعض ما رأينا. لماذا هوجمتَ وارتفعت الأصوات ضدك لتترك كرسي الرئاسة؟ - اسألوهم، فربما كانوا محقين، وهذا أمر انتهى، ولا اريد الانتصار على أحد. سيرة ذاتية تاريخ الميلاد: 28 (يناير) 1958. الشهادات التعليمية - كلية المعلمين في أبها 1980، أحياء - لغة عربية. - جامعة الملك عبد العزيز (1988)، زراعة مناطق جافة. الخبرات العملية - باحث إحصاء في وزارة المياه والكهرباء منذ 1993. - رئيس القسم الثقافي في صحيفة الوطن، من تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 – فبراير (1999). - مدير المكتب الإقليمي لصحيفة الجزيرة، بمنطقة عسير. - عضو مجلس إدارة نادي أبها الأدبي، وترأس مجلس الإدارة لفترة قصيرة. - عضو السكرتارية التنفيذية للتحالف العربي من أجل دارفور.