طالب عمره 15 عاماً سجل وهمياً في نظام التأمينات الاجتماعية بغرض تحقيق نسبة السعودة المطلوبة لكي تتمكن منشأة ما من استقدام المزيد من العمالة الأجنبية قد لا يلتحق بعمل فعلي إلا في ال 25 من عمره، وسيكون مستحقاً لتقاعد مبكر بعد ذلك ب 15 عاماً فقط. من ثم ولمدة عشر سنوات سيكون على الأرجح مسجلاً في نظام التأمينات الاجتماعية بأجر لا يتعدى 3.000 ريال شهرياً، وسيكون مجموع ما يتم تحصيله من اشتراكات لقاء تسجيله كل هذه الفترة مبلغاً لا يتجاوز 72.000 ريال. ويستطيع خلال ال 15 عاماً اللاحقة وبأي طريقة، حتى من خلال أن يدفع بنفسه جزءاً من تكلفة الاشتراك في نظام التأمينات، أن يرفع أجر اشتراكه خلال الخمس سنوات الأخيرة إلى 45.000 ريال، بحيث يصبح مستحقاً لتقاعد مبكر في سن ال 40 وبمعاش تقاعدي يبلغ 28.125 ريال شهرياً، وسيسترجع خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر كل ما دفع عنه من اشتراكات ويتمتع بالفرق طوال بقية حياته. ولا يخفى أنه لا يوجد نظام تقاعدي يمكن أن يتحمل مثل ذلك، وبالتالي كل الحديث عن أن المشكلة في استثمارات المؤسسة العامة للتأمينات غير واقعي، فليس هناك عائد مهما ارتفع يستطيع أن يواجه مثل هذه القسمة الضيزى، حتى ولو تجاوزنا حقيقة أن الأجهزة التقاعدية لا يجب مطلقاً أن يكون هدفها تحقيق عوائد عالية على استثماراتها، وأن عليها دائماً أن تكون أولويتها في تفادي تعريض استثماراتها لأي مستوى من المخاطرة والذي سيكون ضرورياً إن كانت ستسعى إلى تحقيق عوائد أعلى، وهي مطالبة بالاستثمار بتحفظ شديد، وأن يكون توازنها المالي معتمداً في المقام الأول على توازن مقبول بين الاشتراكات والمعاشات، والذي أصبح أمراً مستحيلاً في نظام التأمينات الاجتماعية خصوصاً مع تفشي السعودة الوهمية. ورغم كل هذه المخاطر التي يتعرض له نظام التأمينات الاجتماعية بسبب نطاقات وما نتج عنه من سعودة وهمية إلا أن ارتباط المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بوزارة العمل، كون وزير العمل هو رئيس مجلس إدارتها، جعلها غير قادرة على أن تعبر بشفافية عما يترتب على ذلك من مخاطر على نظام التأمينات، خصوصاً في ظل رفض وزارة العمل الاعتراف بفشل البرنامج وما ترتب عليه من تشوهات هائلة في سوق العمل. وهو ما يؤكد ضرورة استقلالية أجهزة التقاعد بالمملكة عن الأجهزة التنفيذية في الدولة تماماً، فطبيعة عملها وهدفه لا علاقة له بأي جهاز تنفيذي، ومثل هذا الارتباط يخلق فقط تضارباً في المصالح يعرض أجهزة التقاعد لمخاطر مستقبلية قد يكون المسؤول التنفيذي في الجهاز الذي ترتبط به غير مدرك لها أو حتى ليست من أولوياته. وكنت اقترحت في مقال الأسبوع الماضي صيغة لحساب المعاش التقاعدي لمن يرغب في التقاعد مبكراً دون عذر صحي أو لم يكن مجبراً على ذلك نظاماً، وأود اليوم التأكيد على نقطتين في غاية الأهمية: 1 - أنه لا يمكن أن يجري أي تعديل على نظام التقاعد المبكر في نظام التأمينات الاجتماعية دون أن يرافقه تعديل مماثل في نظام التقاعد، فقصر التعديل على نظام التأمينات الاجتماعية سيحد من الرغبة في العمل في القطاع الخاص ويفشل أي جهد لتطوير دور هذا القطاع في تأمين فرص عمل للعمالة المواطنة. 2 - أنه لا بد من إصلاح نظام تبادل المنافع بين نظامي التقاعد والتأمينات بحيث يسمح بأن تكون مدة الاشتراك المضمومة مدداً مكملة لاستحقاق المعاش التقاعدي تحت النظام الجديد الذي سيخضع له الموظف، بحيث لا يلزم الموظف المنتقل لنظام الآخر أن يكمل الحد الأدنى من سنوات الخدمة المطلوبة تحت النظام الجديد الذي ينتقل إليه أو يبلغ ال 60 عاماً لكي يستحق معاشاً تقاعدياً. على سبيل المثال، بموجب النظام الحالي فإن موظفاً ينتقل إلى القطاع الخاص بعد أن أمضى في القطاع الحكومي 15 عاماً من الخدمة يلزمه أن يعمل 25 عاماً أخرى في القطاع الخاص أو يبلغ سن ال 60 ليستحق راتباً تقاعدياً. وفي ظل تراجع الرغبة في التقاعد المبكر بعد تطبيق الصيغة التي اقترحتها فإنه يجب تشجيع التنقل بين النظامين من خلال تكامل تام بين النظامين بما يحفظ حق الموظف بالتقاعد المبكر بعد استكماله 25 عاماً من الخدمة تحت كلا النظامين، طالما أنه مستعد لتحمُّل الجزاء المالي المترتب على ذلك، بحيث لا يتردد في الانتقال من نظام لآخر خشية ضياع حقه في التقاعد المبكر.