عاش الأستاذ والرائد علوي طه الصافي وهج حياته في صخب ثقافي غير محدود وعلى أصعدة شتى لم يتنبأ بمنتهاها أحدٌ.. لم يرض أبداً بالركود، ولم يألف تواضع الفكرة أو ضيق «معتركها» وزمانها و»نقعها» أيضاً فكان مختلفاً، وأنتج مشاريعه الثقافية المختلفة والناجحة دون محاكاة ولا تكرار. كتب القصة باقتدار واستبطان بلغة شفافة أنيقة نقية، وهو الخارج من رداء الدراسات القانونية بكل أطرها وحدتها وصرامتها، وكتب المقالة بروح فنان وعقل مفكّر عصري متوثّب لا يخذل قارئه، ولا يراوغه، ولا يدع الأبواب مواربة في وجه الريح مهما كانت الأثمان، وقاد معارك ثقافية شهد له جيله والصحف التي انتمى إليها بالقدرة والأناقة في إدارتها وتوجيهها دون وقوع في «العدائية» أو «تصفية الحسابات» أو الهبوط بالثقافي إلى وهاد الخلافات الصغيرة. صنع لنفسه نجاحات إبداعية كانت محط اهتمام قراء النص السردي وتحولاته وثراء دلالته، وفي ذلك قدم عدة مجموعات قصصية، لم تنل حقها الكافي، بكل أسف، وقد كان له أن يروّج لها مستغلاً مواقعه الإعلامية ورئاسة واحدة من أشهر المجلات الثقافية في العالم العربي فلم يفعل ذلك، فهو كما يعهده الجميع عزيز نفس وتربية وإبداع وثقافة فلم يستجد، ولم يكن أبداً شغوفاً بالضوء الإعلامي على حساب المنتج والأداء. ربما جنى ذلك على تجربته الأدبية لكن التاريخ والدراسات ستنصفه ذات يوم كما يكون نصيب الصادقين مع أنفسهم ومحيطهم، وسيعترف الجميع بأدواره في الصحافة الثقافية، وكتابة القصة القصيرة، والاهتمام بأدب الأطفال والعناية بنشر المعرفة ورعاية الأجيال؛ وهي أدوار موسوعية خاضها وتأقلم معها بأُنسٍ وسعادة فلم تعرف حياته شيئاً سواها، ولكن قدراً من العقوق كان حليفه بعد مشوار كبّده المشقة والتعب، ولعلها بعض سمات «مجتمع دفّان» قد يعترف متأخراً.. ربما! كلما تأملت مجلة الفيصل في خطواتها المتتابعة نحو التغيير والتطوير تذكرت رئيس تحريرها الأول علوي طه الصافي الذي رسم خطها الثقافي بنجاح ووعي في زمن كانت المجلات تملأ السمع والأبصار.. أتت الفيصل بهوية مغايرة، ومحتوى مسؤول، وإخراج حديث وانتهاءً بالورق والطباعة تفنن فيها وانتقاها بعين فنان قال عنه الأستاذ المعروف عزيز ضياء قبل أربعة عقود: «الأستاذ علوي طه الصافي يتمتع بقدرة على الإبصار وبحسٍّ مرهفٍ؛ هما الإبصار والحس اللذان ينقصان للأسف الكثيرين الذين يتصدون للكتابة عن ثمار الفن في هذا البلد». وآخر عهد قرائه ومحبيه كان على صفحات هذا الملحق قبل سنوات حين كتب سلسلة الوفاء والذكريات، ثم جمعها في كتاب «هؤلاء مروا على جسر حياتي» وتزيّن بمقدمتين الأولى لمعالي الدكتور عبد العزيز الخويطر، والثانية للمبدع والناشر الأستاذ عبد الله الماجد التفتا فيهما بذكاء وفطنة ونُبل إلى ملامح حياته الثرية، وثقافته الحرة، ووفائه الشامل.. وقد وعد بإصدار جزء آخر لم ير النور إلى اليوم. أتمنى على مجلة الفيصل ونادي جازان الأدبي بشكل خاص الالتفات إلى إبداعه وإعادة نشره وطباعة ما لم ينشر عنه وعقد ندوة تتأمل تجربته بكل أبعادها وأطيافها وثرائها يشارك فيها مختصون ومثقفون، وتصدر أعمالها في كتاب احتفائي هو به جدير، ولعلها تكون نواة رسائل علمية تقرأ تجربته في الكتابة السردية ومشروعه الخاص بأدب الأطفال الذي قدم منه خمسين كتاباً. والتكريم في الحياة خير من الاستعراضات الإنشائية التي اشتهرت بها ساحتنا الثقافية عند رحيل الأعلام والمثقفين؛ وهي في مجملها احتفالات كلامية إنشائية مجانية «لو» وجد المبدع جزءاً منها على أرض الواقع لتغيرت مسارات كثيرة ولكن ....!