عام 1383ه اتفق عدد من المثقفين على ضرورة إنشاء مجمع لغوي في المملكة مستندين إلى مكانة البلاد وإرثها الحضاري والتحديات التي تواجه اللغة العربية.. نُشرت الآراء حينذاك في صحيفة البلاد وتحدث أعلام الثقافة حول ذلك ومنهم محمد سرور الصبان، أحمد إبراهيم الغزاوي، محمد حسن عواد، حسن عبدالله القرشي، أحمد عبد الغفور عطار، محمد نصيف. تحدث الجميع بغيرة واضحة وانتماء كبير، وتواصلت المطالبات إلى يومنا هذا، وقبل أسابيع قرأت مقالاً جميلاً لأحد الزملاء يُحيي الفكرة ويطالب بتنفيذها؛ فما أشبه الليلة بالبارحة! لم يتبن أحد الفكرة بكامل أبعادها؛ وهذا قَدَرُ الأعمال المعرفية والثقافية المؤسسية، التي لا تبرح حيّز الأحلام أحياناً، لكن الأمل لا ينضب وبوادر النشوء تتخلّق بعد عقود طويلة، وفي تأسيس مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية عمل رائد يعزّز دعوات قديمة فقد أنجز مجموعة من الأفكار، وله رؤية واضحة وخطة عمل متقدمة ومنهجية، ويقوم على إدارته فريق علمي وإداري ينجز دون بهرجة أو استعراض مجاني. وفي مكةالمكرمة تأسس قبل أربع سنوات «مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية» وفي الاسم، كما أظن، تخلص من العقبات البيروقراطية التي تحيط الإسهامات المدنية من تراخيص وتبعات تتطلبها القطاعات الرسمية فأراد التحليق في فضاء رقمي، وهو عمل مدني «شخصي» وبادرة تبناها الدكتور عبد العزيز الحربي الأستاذ بجامعة أم القرى بمكةالمكرمة، وتشكّل له مجلس إداري وآخر استشاري وثالث يضم الأمناء، ويتلقى دعماً مالياً من رجال الأعمال؛ وهذا مكّنه من إصدار مجلة علمية محكّمة، وسلسلة إصدارات في مباحث لغوية مهمة، وتحت مظلته لجان علمية تحمل فكراً مؤسسياً ينأى به عن الفردية التي استند إليها عند تأسيسه، وفي معرض الكتاب الأخير في جدة حضر عبر ركن خاص حاز إعجاب الكثيرين الذين لم يسمعوا عنه من قبل، ويبدو «المجمع» زاهداً في التواصل مع وسائل الإعلام التقليدية لترويج برامجه ونشاطاته وتعميم الاستفادة منها، وهو يكثف نشاطه عبر وسائل التواصل الاجتماعي و»يغرّد» يومياً عن قضايا اللغة العربية وتحدياتها، ويقدّم حلولاً واستشارات، ولا أظن ذلك كافياً لتحقيق الأثر وتبنّي الأهداف المرسومة. بداية «المجمع اللغوي على الشبكة العالمية» تسعد الجميع، وتدعو كل القطاعات لإفساح المجال للمبادرات الفردية التي يقودها المجتمع المدني لخدمة الثقافة والحضارة العربية وتعزيز تآخيها ووعيها بالتحديات المعاصرة خاصة في مجال اللغة العربية التي تخوض معتركاً لا يهدأ، وتتطلب نمواً يستجيب للثورة المعرفية ووسائط التقنية، ونقل المعلومات، وطبيعة الأجيال الجديدة وحاجاتها التعليمية. ومن جميل أفكار «المجمع» التخطيط لإصدار معجم اللغة العربية للأطفال ومَنْ في حكمهم من المتعلمين المبتدئين يقرّب لهم العربية ويحببهم فيها. وأرجو أن يتآزر جهده مع مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية وأقسام اللغة العربية ومراكز البحث العلمي في الجامعات السعودية، وإدارة صياغة المقررات التعليمية في وزارة التعليم والتآلف مع المجامع اللغوية العربية والمشاريع المماثلة ليكون الجهد مشتركاً والتخطيط شمولياً تقل معه النفقات وتعم الفائدة، ولا أظن ذلك مستحيلاً فالعمل في جزر معزولة مشكلة تعاني منها المؤسسات الثقافية والعلمية فتنطفئ سريعاً، أو ينخفض سقف التوقعات والآمال المعقودة عليها مع مرور الأيام وتزيد العوائق وتنمو العقبات، ونحن مطالبون بتعضيد هذه المشاريع، مهما كانت وبأي شكل أتت، لأنها ستثمر ولن تكلفنا سوى توسيع فضاء التوقعات بكلماتنا وسطورنا، وإن لم نستطع فبقلوبنا على أقل تقدير، و»مجمع مكة» ضم مجموعة من علماء اللغة وهيئة استشارية تجعل ملامح مستقبله أكثر إشراقاً.