كنت دائماً أقول إن دولاً عديدة تطورت في كرة القدم بعد أن نجحت في التفكير والتخطيط والعمل باحترافية إدارياً وفنياً وتنظيمياً، وصولاً إلى الهدف الأهم، وهو (الانضباطية) في الأداء، وتحديداً من اللاعبين الذين يمثلون العنصر الأبرز المنفِّذ والمنتج سلباً أو إيجاباً لكل ما يقدَّم ويدار ويخطَّط له ويُنفق عليه مالياً، سواء في الأندية أو المنتخبات الوطنية.. الغريب أن كرتنا السعودية، أندية ومنتخبات ونجوماً، كانت فيما مضى متميزة، وحققت الكثير من الألقاب والإنجازات محلياً وإقليمياً وآسيوياً وعالمياً؛ لأن اللاعب كان وقتها منضبطاً ومقاتلاً ومتحمساً وهو ما زال هاوياً، وحينما أصبح محترفاً، يملك الملايين، ويتقاضى مرتباً شهرياً، يصل إلى نصف مليون ريال، ويدار بعقلية إدارية مزاجية، تبحث عن البهرجة والصخب الإعلامي أكثر من أي شيء آخر، رأيناه يلعب بتعالٍ، ويتدرب بكسل، ويرتدي قميص ناديه والمنتخب بلا إخلاص ولا إحساس بالمسؤولية، ولا اهتمام بمصلحته وحاضره ومستقبله ومراعاة لشهرته ونجوميته، أو محافظة على مهنته التي تدر عليه ملايين الريالات.. الزميل سلطان الحارثي قدَّم في عدد الجزيرة يوم أمس الأول السبت تقريراً رائعاً مدعماً بالحقائق والأرقام، يوضح مقدار عطاء عدد من لاعبي الهلال في المواسم، ويبيّن الفارق الكبير بين مستوى لاعبين شباب، لم يكن لهم أي حضور يُذكر رغم ارتفاع عقودهم، كالعابد وسالم وعبدالعزيز الدوسري، مقابل التفوق والإنتاجية والتأثير الإيجابي من لاعبين كبار في السن، مثل الشلهوب، وكذلك كريري. والسبب في ذلك يعود إلى عامل الانضباطية سلوكياً وفنياً وحتى اجتماعياً داخل الملعب وخارجه.. ما ذكره التقرير عن لاعبي الهلال هو في مفهومه ومعناه وأبعاده ينطبق على كثير من لاعبي الأندية الأخرى، كما يجسد ويؤكد حقيقة ما قلته في البداية عن أن مشاكل الكرة السعودية وتراجعها في السنوات الأخيرة هي محصلة طبيعية متوقعة لعدم انضباطية اللاعب السعودي الذي يحمل صفة محترف بالاسم والشكل والعقود الباهظة، أما على أرض الواقع وفي الميدان فهو مجرد لاعب خامل متمرد على نفسه ومهنته والنادي الذي ينتمي إليه؛ لذلك ستستمر كرتنا تعاني وتتدهور ما لم تكن الانضباطية هي الأساس والأصل والفصل في إدارة شؤونها وطريقة تفكير ومستوى أداء نجومها أكثر من المهارات الفنية الأخرى.. نلعب الكرة أم تلعب بنا؟ أحدهم أقام في منزله وليمة دسمة وفاخرة لأصدقائه وأقربائه احتفالاً بخروج الهلال من الآسيوية. آخر نظم قصيدة بل معلقة بمناسبة إقصاء النصر من كأس ولي العهد. ثالث محسوب على الإعلام يتباهى بتصرفاته الصبيانية السخيفة. رابع مسؤول قيادي في جهاز رسمي يتعامل مع الموظفين والمراجعين بحسب ميولهم. خامس يحقد ويكره، ويروج للأكاذيب، ويطعن في ذمم كل من ينتمي للفريق العدو اللدود.. هذا - للأسف - قليل من كثير من المواقف المؤلمة المخجلة التي باتت تسيطر على عقول واهتمامات شريحة عريضة من المجتمع، من بينهم من تجاوز الخمسين عاماً، وفيهم من يتقلد منصباً مهماً أو مكانة اجتماعية مرموقة، وما زال يمارس التشجيع بأسلوب المراهقين، ويتحدث بلغة المتعصبين؛ ما انعكس هذا على ثقافته ونفسيته ونمط حياته وعلاقاته، وكذلك على أولاده وأسرته؛ فخسر نفسه وسمعته وصحته وأصدقاءه ودوره وتأثيره وقيمته واحترامه في مجتمعه؛ الأمر الذي قلب موازين الكرة؛ فبدلاً من أن نلعب بها بأقدامنا صارت هي تلعب بعقولنا..! شجِّعوا أنديتكم بشغف، ادعموها، تغزلوا بها، تفاعلوا معها، افرحوا لتفوُّقها وانتصاراتها وإنجازاتها.. لفائدتكم كبِّروا عقولكم، وتخلصوا من التفكير في إيذاء منافسيكم وكراهيتهم والحقد عليهم، واتركوا عنكم الانشغال بأفراحهم وأتراحهم، ساعتها تأكدوا أن حياتكم ستكون هادئة، وأفكاركم راقية، وروحكم الرياضية عالية جداً.