اليوم 6 أكتوبر، وفي سنوات سابقة تميز هذا التاريخ بأحداث مهمة غيرت وجه منطقة الشرق الأوسط وما زالت تؤثر فيها. في عام 1973 نشبت حرب أكتوبر حين عبرت القوات المصرية قناة السويس وعبرت القوات السورية خط آلون في منطقة الجولان المحتلة من قبل إسرائيل، وكانت إسرائيل وقتها تحتفل بعيد الغفران، وقد حققت الجيوش العربية انتصارات كبيرة حيث تم تحرير شريط ضيق على الضفة الشرقية لقناة السويس من أراضي سيناء وجزء من الجولان بعد احتلالهما عام 1967. هذا الحدث هزّ سمعة الكيان الصهيوني الذي بنى على مدى خمسة وعشرين عامًا أسطورة كون إسرائيل غير قابلة للانهزام. ولعله كان أول درس مهم في بناء الوعي العربي بأهمية العمل المشترك. وليت العرب تعلموا الدرس الواضح أن التعاون هو الطريق إلى تحقيق الأهداف اقتصادية أو عسكرية. ومع هذا ظلت إسرائيل تواصل بشراسة مشروع قضم الجوار العربي والتمدد تحت تبرير الضربات الوقائية والدفاع عن النفس ضد العدو العربي المتهم بالتربص بها وبأمنها. وفي مقابل الانتصار اليتيم تقلصت فلسطين إلى غزة محاصرة برًا وبحرًا. وفي أجواء انشغال العرب بثورات وصراعات داخلية قضت على الأخضر واليابس لم تعد صرخات الفلسطينيين مسموعة في صخب الجوار. اليوم في 6 أكتوبر 2015 تواصل إسرائيل عزل غزة وخنق الفلسطينيين الباقين من خريطة 1948، والاستيلاء على الأقصى لتهويده. وبقي صوت يذكر بالجريمة هو صوت وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة التي شهدت رفع العلم الفلسطيني بين إعلام الدول الأعضاء لأول مرة. في 6 أكتوبر 1978 جاء حدث ثانٍ مهم في تحويل مسار تاريخ المنطقة، هو قيام العراق بطرد أية الله الخميني من أراضيه. غادر الخميني وقتها إلى باريس كلاجئ سياسي واستقر فيها داعيًا من هناك عن بعد بالثورة الإسلامية في إيران. ونجحت نداءاته في اندلاع ثورة استجاب الشعب الإيراني لها بإسقاط الشاه الذي غادر إيران لاجئًا إلى مصر. وبعودة الخميني إلى طهران واستقباله استقبال الفاتحين تحولت إيران من مطالبات بالإصلاح الاجتماعي والتوازن الطبقي، إلى نظام الملالي وتصاعد سيطرة رجال الدين على قبضة الحكم ومقررات وسياسة الدولة. وقد تأزمت العلاقات الأمريكية والغرب مع إيران منذ تلك الحقبة حتى مؤخرًا. كما أثرت الثورة الإيرانية في الجوار بتقديم مثال الثورة الدينية كبديل معادل للثورات والانقلابات العسكرية المعتادة كما حدث في مصر لاحقًا. 6 أكتوبر 1981 اغتيل الرئيس المصري محمد أنور السادات خلال فقرات العرض العسكري المقام بمناسبة الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر.. قام بتنفيذ الاغتيال خالد الإسلامبولي الذي فاجأ الرئيس السادات على منصة الشرف بإطلاق النار عليه.. وقد أعدم الإسلامبولي لاحقًا. وكانت هذه العملية دليلاً واضحًا على تصاعد تنظيم الإخوان المسلمين المحظور منذ أيام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. واستمر حظر التنظيم حتى عاد إلى الواجهة مع ثورة الربيع العربي وفاز بتحالف الائتلاف برئاسة الجمهورية ثم سقط في مواجهة انقلاب الجيش لاستعادة التوازن الإيديولوجي والتعايش بين الفئات الدينية في مكونات الشعب المصري. هكذا تستمر مباراة محاولة الهيمنة على السلطة بين راية العسكر تحت مبرر إعادة الأمن والانضباط وراية التأسلم وتسييس الدين في أشواط حامية الوطيس.. وفي الحالتين يظل المشترك غير المعلن هو طموحات السيطرة الفئوية. أتمنى أن يحمل هذا اليوم لمنطقتنا المثخنة حدثًا إيجابيًا مفرحًا يضاف إلى قائمة الذاكرة التاريخية الإنسانية المثقلة بالسلبيات.