تقول العرب إن الجن قالت هذا البيت بعد أن قتلت حرب بن أمية والد الصحابي أبو سفيان بن حرب، وكان حرب قد قتل حية متلبَّسه خارج مكة دون أن يذكر اسم الله فقتلته الجن بها. قال الجاحظ إن هذا أثقل بيت شعر ولا يمكن أن يقوله إلا الجن. وأكد المسعودي في (مروج الذهب) كلام الجاحظ واستدل: لا يقوله أحد ثلاث مرات متواليات إلا تعتع فيه. وتحدث المسعودي في كتابه هذا أن من الجن نوع يُقال له (الهاتف)، وفي أخبار العرب الكثير من القصص والمرويات والكتب عن هواتف الجان، وهذا ليس بمستغرب، بل الغريب أن الجن تطرب للشعر وتنشده أحياناً، وبالنظر إلى الموروث الشعبي لدى العرب المتقدمين نجد ما يؤصّل لأخبار العرب المتأخرين في هذا الجانب، فقد ذكر الأديب عبدالله بن خميس أن الشاعر زبن بن عمير يقول: «كنت مسافراً من القصيم أريد حفر الباطن، وكنت أتمتم ببناء أبيات وتحتي رحول ماجن وبطيئة السير وكنت ألحها بالعصا وبرجلي ولا تتأثر، ولما جاوزت الأجردي وألممت بأم العشر من أعلى وادي الباطن أصابها جفال وجنون فأخذت تخبط الأرض خبطاً فعلمت أن الجن سلطوا عليها، ولما لم أجد فيها الرفق أخذت بندقي فأطلقت خلف الناقة وبعدها هدأت، وإذا بي أسمع صوتاً رقيقاً دقيقاً ليس بصوت طفل ولا امرأة يغني بقصيدتي التي أبنيها وهي: وقد أورد الإخباريون أيضاً قصة رجل ذهب يلتمس أهله على ماء تبراك قريب الجله ولما وصل لم يجدهم فأناخ راحلته على جال القليب ليشرب ويشربها ولا يعلم ماذا يفعل بعدها، عندها سمع هاتفاً يقول: فشد المسير حتى وصل ابرقيه فوجد أهله فعلا هناك. وذكر الشاعر عبدالرحمن بن زيد القفران القرشي من ناحية المدينةالمنورة أخباراً عن جنية حسناء تزورهم بين المنام واليقظة في يدها كأس من لبن فإن شربت منه صرت شاعراً وإن لم تشرب خبت شاعريتك وخفت، وإن هذه القصة حدثت لوالده أيضاً. ويروي الشاعر سعد الثنيان أن أحد الأشخاص كان يرد على بئر يستقي منها وذات يوم وجد فتاة حسناء فأخذ يحادثها ويلاطفها وكانت ذات أدب وجمال وبينا هو كذلك، إذ ذكر الله فحالت بينهما غبرة فاختفت فعلم أنها ليست إنسية لكنه كان قد عشقها فقال: فسمعها تقول من حينه: ونختم بالقصيدة التي جاء بها الشاعر علي السناني صاحب المجمعة على أنها ألقيت على مسمعه عندما نام في كهف المشقر ودار حولها اللغط ومطالعها: