اندريك يعوض نيمار في منتخب البرازيل    "قوميز" يمنح لاعبي الفريق الفتحاوي إجازة 8 أيام خلال فترة التوقف الدولي    الكشافة يحققون أكثر من 26 ألف ساعة تطوعية في خدمة زوار المسجد النبوي خلال النصف الأول من شهر رمضان    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. فلسطين    أكثر من 21 الف مستفيد.. "نور" تقدم برامج دعوية خلال أسبوعين من رمضان    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد العظام ويحفظ تاريخًا يمتد إلى 14 قرنًا    النصر يتغلّب على الخلود بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في الوقت القاتل .. ضمك يخطف فوزاً ثميناً من القادسية    ضبط (23865) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    البحرين تطلق القمر الصناعي "المنذر" في إنجاز وطني غير مسبوق    من العقيدة إلى التجربة.. قراءة في أنسنة الدين    الوحدة يتغلّب على الخليج بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ( التطلي) والذكريات الرمضانية    المركزي الروسي يرفع سعر الروبل أمام العملات الرئيسية    أمطار رعدية غزيرة وجريان للسيول في عدة مناطق بالمملكة    جمعية الأسر الاقتصادية تطلق هويتها الجديدة    زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب شبه جزيرة ميناهاسا في إندونيسيا    واشنطن تطرد سفير جنوب إفريقيا    الدفاع المدني يكثف جولاته التفتيشية بالمدينة خلال رمضان    قصر ضيافة ومباني فندقية وسكنية في مزاد "جود مكة"    إنجاز سعودي في الأولمبياد الشتوي الخاص    ولي العهد يهنئ السيد مارك كارني    "ستاندرد آند بورز" ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "A+"    تفعيل مبادرة صم بصحة في فعالية إفطار حي خضيراء الجماعي    إفطار رمضاني يجمع صحافيي مكة على إطلالة البيت العتيق    فيديو.. غضب رونالدو بسبب استبداله أمام الخلود    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    20 جولة تبخير وتطييب للمسجد الحرام يوميًا خلال رمضان    السفير المناور يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه سفيرًا لدى المكسيك    الكشافة يقدمون خدماتهم لزوار المسجد النبوي    تحقيق أممي: الاحتلال يرتكب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين    المملكة ترحب باتفاق ترسيم الحدود بين جمهوريتي طاجيكستان وقرغيزستان    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    أمير منطقة المدينة المنورة يطلق حملة "جسر الأمل"    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    اكثر من 100 معاملة يتم إنجازها يومياً بالمنطقة عبر مبادرة الفرع الافتراضي    جمعية العناية بالمساجد " إعمار " تنفذ برنامج " سقيا المصلين "    أمانة القصيم تُعلن جاهزيتها لانطلاق مبادرة "بسطة خير السعودية"    قطاع ومستشفى بلّحمر يُنفّذ حملة "صُم بصحة"    قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل حملة "صُم بصحة"    "بسطة خير السعودية" تنطلق لدعم 80 بائعًا متجولًا بالشرقية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    محافظ الطائف يناقش تقرير لجنة الأسواق الشعبية    جامعة الملك عبدالعزيز تحتفل بيوم العلم السعودي بسباق "راية العز"    جامعة أمِّ القُرى تحتفي بيوم العَلَم    طيبة الطيبة.. مأرز الإيمان    العلا.. تضاريس ساحرة ونخل باسق    عَلَم التوحيد    مكة في عهد يزيد بن عبدالملك بن مروان.. استقرار إداري رغم التحديات السياسية    المشي في رمضان.. رياضة وصحة    نصائح لمرضى الكلى في رمضان.. يجب الالتزام بأساليب التغذية السليمة    الصين تتفوق عسكريا على أمريكا    خناقة بمسجد!    مباحثات جدة الإيجابية "اختراق كبير" في الأزمة الروسية الأوكرانية    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    تعهد بملاحقة مرتكبي انتهاكات بحق وافدين.. العراق يعيد مواطنيه من «الهول» ويرمم «علاقات الجوار»    مشروع الأمير محمد بن سلمان يحافظ على هوية مسجد الجامع في ضباء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطور العلاج من «الشعبي» إلى «الليزر».. وبقي «الوعي صفر»!
جيل اليوم «يحمد ربه ما لحق على خبرة الله يرحمه»
نشر في الرياض يوم 14 - 06 - 2012

كان العرب في الجاهلية يداوون مرضاهم بما هو أشبه الآن بالطب الشعبي، وكان الأطباء ينتشرون في أحياء العرب، ويبلغ صيتهم الآفاق لا سيما الحاذق منهم مثل "الحارث بن كلدة" -طبيب العرب- وابنه "النضر"، كما عُرفت النساء العربيات بشغفهن بمهنة الطب مثل "رفيدة الأنصارية" و"نسيبة بنت كعب" و"أسماء بنت أُبي" و"الشفاء بنت عبدالله" و"الربيع بنت معوذ" -رضي الله عنهن جميعاً-، بل إن بعضهن كن ينزلن لأرض المعركة يعالجن الجرحى والمصابين، وقد حدث هذا في الجاهلية والإسلام، بل كانت العرب تضرب أكباد الإبل لا لشيء سوى للتداوي على يد هذه الطبيبة أو تلك.
أشهرها: «الصعوط»، «الكي»، «الحجامة»، «اللعوط»، «العنزروت»، «الصبرة»، «دم الخوير»، «قطور بقّم»، «قلب الجوزة»، «الحلتيتة»
وقد خلط العرب في الجاهلية بين "الطب" و"العرافة"، وهذا ما نهى عنه الإسلام حين حرّم "الكهانة" و"العرافة"، وأمر بالعلم والتعلم، بل وحث على الأخذ بأسباب الشفاء وتعلم الطب والتداوي من خلال التعاليم النبوية الشريفة التي وردت في الأحاديث المطهرة، والتي أطلق عليها العلماء "الطب النبوي"، كما ضبطت التعاليم النبوية آداب زيارة المريض وعيادته، وأمرت بالأخذ بأسباب الصحة والسلامة من خلال ما يسمى العزل الطبي، والأمر الصريح بمتابعة الطهارة ونظافة الجسد والأكل والملبس والأثاث، حتى أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم بضرورة الطهارة عند زيارة المريض بقوله: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم عاد أخاه المريض فقد بوعد من النار"، وسبب الطهارة جاء هنا طلباً لسلامة المريض من العدوى، وقد قال الشاعر:
إذا ما الجرح رُم على فساد
تبين فيه إهمال الطبيب
كما كان مصطلح العزل الطبي لمرضى الأوبئة أو أمراض العدوى صريحاً في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يورد ممرض على مصح".
علاج نفسي
وأشار "ابن سينا" إلى أثر الأحوال النفسية للمريض على الجهاز الهضمي وقرحة المعدة والقولون، حتى لقد حدث في ذلك قصة طريفة مفادها أنه استُدعي لعلاج شاب يئس الأطباء من حاله، ولما فحصه عرف أن ليس به داء عضوي، فأمسك بيد المريض وأخذ يعد نبضه ويحدثه حتى ذكر له اسم فتاة قيل إن هذا الشاب يعشقها، فشعر "ابن سينا" بسرعة نبضات قلبه، فقال لأهله: "إنه عاشق فزوجوه من فلانة"، فكان له ذلك فشفي بإذن الله.
وهذا يدلل على أن الطبيب العربي كان يحبس النبض من عروق اليد، حتى لقد قال العاشق الهائم "ديك الجن" وهو يصف حاله مع العشق، بيته الشهير في زوجته:
جس الطبيب يدي جهلاً فقلت له
إن المحبة في قلبي فخل يدي
وهذه قصة طريفة أخرى حدثت لمكتشف الدورة الدموية الصغرى "ابن النفيس" الذي كان في أحد حمامات الشام يتمتع بالبخار والماء الدافئ والعامل يدلك جسمه برفق، فأخذ "ابن النفيس" يجس نبضه بنفسه، وكان قد قاسها قبل دخوله الحمام، فلاحظ حينها أنه مع الحمام المريح ترتاح الأعصاب وتقل سرعة النبض عنها في الأجواء الانفعالية، فخرج بسرعة ودخل إلى مخازن الملابس وأخذ قلمه وبدأ يدون ويكتب حتى مضى وقت ليس بقصير، ليعود إلى مستراحه، وقد وضع كتابه "رسالة في النبض".
طب المسنين
وعرف المسلمون في العصر العباسي "طب المسنين" الذي استحدثه "ابن سينا" وخصص له باباً مستقلاً في كتابه (القانون في الطب)، بل كانوا يكتبون على أبواب المستشفيات الخاصة بالمسنين قوله تعالى: "وبالوالدين إحسانا"، وكذلك كان اهتمامهم ب"طب المجانين" و"طب المساجين" الذي قال عنهم "ثابت بن قرة": "إنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض وهم ومعوقون عن التصرف في منافعهم، ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم، فينبغي أن نفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم، وتحمل لهم الأدوية والأشربة ويطوفون بها في سائر الحبوس، ويعالجون فيها المرضى"، كما كانوا يتحايلون على الأدوية غير المستساغة ويعالجون مرارتها أو حموضتها بالعسل والفاكهة.
صيدلة وعطّارين
وكان الاهتمام بعلم الصيدلة فريداً من نوعه، حتى أن "البيروني" أفرد له كتاباً خاصاً سماه (الصيدلة)، كما اختص "ابن البيطار" ب"علم الطب البديل"، وألف كتابه الشهير (مفردات الأدوية)، وذاعت شهرة هذه الكتب في العصر الحديث في أوروبا حتى نقلت مصطلحاتها كما هي كمصلح شراب "syrop" وكلمة كحول "Alcohol"، وقد نقلها العرب عن القرآن الكريم إذ أطلق على الخمر اسم الغول قال تعالى: "لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ"، كما هو مصطلح العلاجات القلوية "Alkali" والأكسير "Elxir" والصودا "oda" و"Clamp"، وغيرها من المصلحات الطبية والعشبية.
وفي الحديث عن الصيدلة ثمة قصة طريفة وقعت ل"بشار بن برد" وهو الشاعر الذي أدرك الدولتين الأموية والعباسية إذ يقول: "مات حمار لي كان عزيزاً على نفسي، وكنت عزيزاً عنده، فحزنت عليه أشد الحزن، فرأيته في المنام فقلت له: يا حماري ألم أبرد لك الماء، وأنقل لك الشعير، وأحسن اليك جهدي؟، فلِم مت على غفلة؟، وما خبرك؟، قال: نعم، لما كان في اليوم الذي وقفت على فلان الصيدلاني تكلمه في كذا وكذا، مرّت بي أتان حسناء، فرأيتها فأخذت بمجامع قلبي، فعشقتها واشتد وجدي بها، فمت كمداً متأسفاً، فقلت له: يا حماري، فهل قلت في ذلك شعراً؟، قال: نعم، وأنشدني: هام قلبي بأتان عند باب الصيدلاني، تيمتني يوم رحنا بثناياها الحسان، وبخدين أسيلي كلون الشنفراني، فيها مت ولو عشتُ إذن طال هواني"، فقيل لبشار: وما هو الشنفراني يا أبا معاذ؟، فقال: قبحكم الله هذا من لغة الحمير، فاذهبوا لتسألوها"!.
ورقة الأنعات وهي ما تسمى بالوصفة الطبية حديثاً
ورقة أنعات
وكانت ورقة الوصفات الطبية تسمى ورقة "الأنعات" أي الوصفات وكان ابن البيطار -شيخ العطارين- قد اكتشف وحده (300) نبات طبي شرحها ووصفها وصفاً طبياً دقيقاً، حتى كان العالم الغربي "سارتون" يقول عنه: إنه أعظم عالم نبات في التاريخ كله.
وفي الجراحة كان "أبو القاسم الزهراوي" آية من آيات القرن الرابع الهجري التي وهبها الله لأرض الأندلس وبلاد المغرب والجنوب الأوروبي، حيث كانت الوفود تصل إلى هذا الرجل من كافة أصقاع المعمورة والقارئ لسيرته وإنجازاته يُذهل ويُعجب أيما عجب، كيف كان "الزهراوي" يجري عمليات العصر الحديث قبل أكثر من ألف سنة، إذ وصف المهندس والمؤرخ "صبحي سليمان" في كتابه (المخترعون العرب أصل الحضارات) كيف كان "الزهراوي" ومن بعده "ابن النفيس" يجريان عمليات استئصال اللوزتين واللحمية وحصوة المثانة وعمليات الحمل والولادة وربط الشرايين وإيقاف النزيف، كما استخدموا "البنج" الذي عرفه المسلمون باسم "المرقد"، والاطلاع على أعمال هذين الطبيبين أمر يخلب الألباب، لاسيما في عمليات الجراحة والتجميل، وكذلك معالجة السمنة، ناهيك عن علاجات البصريات، وما قدمه "ابن الهيثم" من تشريح العين واختراع النظارة الطبية والمجاهر و-التليسكوبات-، فيما يسمى عند العرب "طب العيون" أو "الكحالة"، وكما هو علاج الكسور العظمية التي أبدع فيها العرب منذ الجاهلية.
علاج العين والبصريات عُرف قديماً
استئصال السرطان
أما في علاج مرض السرطان -أعاذنا الله وإياكم منه-، فقد كان ل"ابن سينا" رأي فيه لخصه في ثلاث نقاط، وهي الاكتشاف المبكر ثم الجراحة المبكرة فالاستئصال التام، في حين كان "الزهراوي" -أبو الجراحة- يرى ضرورة سرعة استئصاله إن كان في موقع يمكن استئصاله منه، أما إذا تقدم به الزمن فيقول في هذه الحالة: "إني ما استطعت أن أبرئ منه أحداً، ولا رأيت قبلي غيري وصل إلى ذلك"، وهو بذلك يستوحي قول "أبي العتاهية":
إن الطبيب بطبه ودوائه
لا تستطيع دفاع محذور القضا
مال الطبيب يموت بالداء الذي
قد كان يبرئ مثله فيما مضى
هلك المداوي والمداوى والذي
جمع الدواء وباعه ومن اشترى
مات كمداً
وكان "الوليد بن عبدالملك" و"عمر بن عبدالعزيز" مهتمين بما نسميه الآن "الخدمة الاجتماعية"، حيث وفرا للمكفوفين والمقعدين وذوي الإعاقة مخصصات مالية ودوراً إيوائية، وخصصوا لكل كفيف أو معاق من يخدمه ويقف على شؤونه، كما عزلوا "المجذومين" ومرضى الأوبئة المعدية عن الأصحاء، وأقروا لهم المقررات المالية والكوادر الطبية، ولاحظ أن هذا كان في القرن الأول من الهجرة النبوية الشريفة.
وعرف عن العرب والمسلمين قولهم "مات كمداً" أي مات ضيقاً وحسرة، ولذا روي أن عالم النحو "سيبويه" مات "كمداً" وهو في عنفوان شبابه، بعد أن ظلم في قصته الشهيرة مع "الكسائي"، و"الكمد" ضرب من الأمراض النفسية، هو بين الاكتئاب و"المنخوليا" في العلم الحديث، كما يقال إن فلاناً مات بذات الجنب ويقصدون بها "الزائدة الدودية"، أما القرحة فقد عرفت باسمها الحالي، وتذكر كتب التراجم أن "الحجاج بن يوسف" مات من قرحة المعدة، أما "الجاحظ" فقد عانى طويلاً من مرض "النقرس" المسمى "داء الملوك"؛ لأنه يصيب من يكثرون من أكل اللحوم الحمراء ويفرطون بتناولها، كما عانى في آخر حياته من "الجلطة" وهو ما يسميه العرب "الفالج"، وكان ل"الجاحظ" عبارة مشهورة يقولها لكل من يزوره ويسأل عن حاله إذ يقول: "ماذا تأمل من رجل لو قطّع نصف جسده بالمناشر لما شعر به، ولو وقعت ذبابة على النصف الآخر لبكى من الألم"، وهو يقصد "الفالج" و"النقرس"، ويقول "ابن النديم": إن "الجاحظ" مات بسبب كتبه التي تهاوت على هامة رأسه، ومات وعمره قرابة الخمس وتسعين سنة بعد معاناة مع المرض، وقد زاره الناس ما عدا ابن أخته فإنه لم يكن يعود المرضى؛ لأن اسمه "يموت بن مزروع"، وكان الجاحظ قد ألف في حياته كتاباً أسماه: "البرصان والعرجان والعميان والجولان" سخر -سامحه الله- فيه من بعض أهل زمانه.
العلاج النفسي استخدمه القدماء وأثبت نجاحه
داء الحكة
أما "الغرغرينا" التي يسميها العرب "الآكلة" والتي أصابت التابعي الجليل "عروة بن الزبير"، فقد كانت مشهورة عند الأقدمين، إذ يعالجونها بالبتر حال معرفتهم بها، وتذكر كتب التاريخ أن الخليفة العباسي "الناصر" توفي من الفشل الكلوي، رغم حرصه على تنقية الماء الذي يشرب منه هو وأبناؤه، حيث كان يغليه بالنار أكثر من مرة، كما كانوا يسمون مرض "الجرب" ب"داء الحكة"، وقد اكتشف الطبيب الأندلسي "ابن زهر" جرثومتها حتى قال عنه سارتون: "إن ابن زهر يعد أبو علم الطفيليات"، والقاري لتفاصيل الساعات الأخيرة لحياة "صلاح الدين الأيوبي" كما ذكرها القاضي "ابن شداد" في كتابه "النوادر السلطانية"، يدرك جيداً أنه توفي -رحمه الله- بما يعرف اليوم بمرض "السكري"، وكان الخليفة "المأمون" حين وفاته يصيح "يا من لا يزل ملكه ارحم من قد زال ملكه"، وقد توفي بعد أن ضربته الحمى بسبب سمكة صغيرة قفزت من الإناء الذي كان أمامه، فنضح الماء على صدره في شتاء بارد، فأصابته الحمى التي قال عنها "المتنبي":
وزائرتي كأن بها حياءٌ
فليس تزور إلاّ في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا
فعافتها وباتت في عظامي
قيس بن الملوح
وكان العرب لا يكثرون التسمية لشيء إلاّ لذوات الشأن كالصحراء والسيف والأسد، وكذلك كانت الحمى التي يسمونها أيضاً "المكثرة"؛ لكثرة ما تشد على صاحبها، لاسيما إذ حل الظلام، كما عرف العرب "الذبحة الصدرية" وسموها "الخوانيق"، وبها مات السياسي "سعد زغلول"، كما مات بها الأديب "المنفلوطي"، أما "أحمد عرابي" والشيخ "محمد عبده" فقد توفيا بالسرطان، كما قيل إن "أبو نواس" الشاعر المشهور توفي كمداً مكتئباً، وتوفي "حافظ إبراهيم" بالحمى الشوكية، أما الإمام "سعود بن عبدالعزيز" فقد توفي بحصر البول، ومات الملك "فؤاد" بتضخم الكبد والكلى كما شمل تقرير وفاته التهاب الرئة، أما "قيس بن الملوح" -مجنون ليلى- فقد زعم "د.حجر البنعلي" مؤخراً أنه توفي بتصلب الشرايين الذي توفي به أمير الشعراء "أحمد شوقي"، ورغم هذا فقد ذكر المسعودي في كتابه "مروج الذهب" كيف توفي "قيس بن الملوح"، وكيف وجدوه جثة هامدة عند أحد الأودية في مضارب بني عامر، بعد أن هام على وجهه في الأرض من مرض العشق وهو يقول:
أعد الليالي ليلة بعد ليلة
وقد عشت دهراً لا أعد اللياليا
وقائلة واحسرتاه لشبابه
قلت أجل واحسرتاه لشبابيا
ألا يا طبيب الجن داوني
فقد أعيا طبيب الإنس دائيا
قال هذا بعد أن كان يتمنى أن يداوي "ليلى" وهو يقول:
وإني لأستغشى وما بي نعسة
لعل خيالاً منك يلاقي خيالنا
يقولون ليلى في العراق مريضةٌ
يا ليتنى كنت الطبيب المداويا
أما مرض "البواسير" فقد عرفه العرب باسمه منذ القدم وذكر العلماء أن الإمام "الشافعي" يجلس لطلابه الساعات الطوال يعلمهم ويدرسهم رغم ما يعانيه من آلامها، وكذلك كان العلامة "ابن حجر"، وكان الشاعر العباسي "الهجّاء ابن بسام" يقول في هجاء أبيه، رغم أنه كان من أجود وأكرم أهل زمانه:
خبز أبي جعفر طباشير
فيه الأفاوي والعقاقير
فيه دواء لكل معضلة
للبطن والصدر والبواسير
علاج الأعشاب
وفي الجزيرة العربية وقبل ما يقارب من ستين عاماً كان الطب الشعبي والأطباء الذين لم يتلقوا علوم الطب في المدارس النظامية أو الجامعات المعتمدة، قد اجتهدوا في معالجة أهل زمانهم، إذ عرف العلاج بالأعشاب والمراهم المحضرة من النباتات ودهون الحيوان، كما عرف العلاج ب"الصعوط" و"الكي" و"الجحامة" و"تجبير الكسور"، كما كان "اللعوط" و"العنزروت" و"الصبرة" و"دم الخوير" و"قطور بقّم"، إضافةً إلى "قلب الجوزة" و"الحلتيتة" علاجات مشهورة متداولة، ويذكر "ناصر بن عبد العزيز الحميدي" في مذكراته قبل أكثر من ثمانين سنة، أنه في إحدى رحلاته في تجارة والده في نجد بصحبة أحد الرعاة، وفي إحدى الشعاب قُرص الراعي من ثعبان هاجمه، فضل يصيح وقد قتل الثعبان، إلى أن جاء أصحابه فتنقلوا به يبحثون له عن علاج، وفعلاً وجدوا أحد الرعاة الذي أعطاهم خروفاً فذبحوه وشقوا بطنه، وربطوا رجل المصاب ب"كرشة الخروف"، وما هي إلاّ ثوانٍ حتى عاد المصاب سليماً معافى، بل إنه مشى معهم وأكل من العشاء أكثر مما أكلوا.
كما أن الأجداد ما يزالون يذكرون "سنة الرحمة" عام 1337ه حيث انتشرت الأوبئة وتفشت العدوى بين الناس، وقيل إن ذلك كان بسبب كثرة الموتى وتراكم الجثث أبان الحرب العالمية الأولى، وهذا الوباء هو الذي صنفه الأطباء مؤخراً بالانتشار الأول لمرض إنفلونزا الخنازير، وكان الأجداد يسمون التهابات الحلق ب "أبو الهيزن"، كما يسمون "التهاب اللوز" ب"خازباز"، ويسمون الثعلبة ب"القوبي"، و"العصب السابع" ب"أبو الوجية" أو "اللوف"، كما يسمون التهابات العين ب "الهزوم".
آلات حديثة
وفي العصر الحديث تقدم الطب بكافة تخصصاته وفروعه ودخلت الآلة الحديثة في العمليات الجراحية والتقويمية، كما تقدم علم الصيدلة والطب النفسي والطب البديل، بل لقد دخلت التقنية الحديثة بأجهزتها الإلكترونية في غرف العلميات، وأصبحنا نسمع ونرى عمليات "الليزر" و"الليزك"، كما أصبحت عمليات الاستئصال والقسطرة وتفتيت الحصوة تعالج ب"المناظير" و"أشعة الليزر"، وأصبحنا نسمع بزراعة الخلايا الجذعية وعمليات زراعة الأعضاء وأطفال الأنابيب ونقل الدم، ورغم ذلك يظل الطبيب وتظل العلوم الطبية عاجزة عن علاج بعض الأمراض ومقاومتها، بل ومعرفة أسبابها وتشخيصها، وليس ذلك إلاّ لحكمة إلهية، إذ طالما وقف الطبيب حائراً أمام مرضاه، وكأنه يستشهد بأبيات "أبو العتاهية" حين قال:
وقبلك داوى الطبيب المريض
فعاش المريض ومات الطبيب
فكن مستعداً لدار الفناء
فإن الذي هو آتٍ قريب
يخاف على نفسه من يتوب
فكيف تُرى حال من لا يتوب
ويُذكر أن الإمام القرطبي قال في تفسير قوله تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"، أن العلماء أجمعوا على أن هذه الآية الكريمة قد جمعت الطب كله.
تجبير الكسور أثبت فعاليته في التحام العظام مرةً أخرى
أدوية شعبية لايزال يستخدمها الناس حالياً
نوع من النباتات الطبية
طبيب يُجري فحصاً للنبض عبر السماعة
عمليات المنظار عبر الأجهزة الحديثة
متابعة نتيجة التحاليل عبر المجاهر الإلكترونية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.