«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطور العلاج من «الشعبي» إلى «الليزر».. وبقي «الوعي صفر»!
جيل اليوم «يحمد ربه ما لحق على خبرة الله يرحمه»
نشر في الرياض يوم 14 - 06 - 2012

كان العرب في الجاهلية يداوون مرضاهم بما هو أشبه الآن بالطب الشعبي، وكان الأطباء ينتشرون في أحياء العرب، ويبلغ صيتهم الآفاق لا سيما الحاذق منهم مثل "الحارث بن كلدة" -طبيب العرب- وابنه "النضر"، كما عُرفت النساء العربيات بشغفهن بمهنة الطب مثل "رفيدة الأنصارية" و"نسيبة بنت كعب" و"أسماء بنت أُبي" و"الشفاء بنت عبدالله" و"الربيع بنت معوذ" -رضي الله عنهن جميعاً-، بل إن بعضهن كن ينزلن لأرض المعركة يعالجن الجرحى والمصابين، وقد حدث هذا في الجاهلية والإسلام، بل كانت العرب تضرب أكباد الإبل لا لشيء سوى للتداوي على يد هذه الطبيبة أو تلك.
أشهرها: «الصعوط»، «الكي»، «الحجامة»، «اللعوط»، «العنزروت»، «الصبرة»، «دم الخوير»، «قطور بقّم»، «قلب الجوزة»، «الحلتيتة»
وقد خلط العرب في الجاهلية بين "الطب" و"العرافة"، وهذا ما نهى عنه الإسلام حين حرّم "الكهانة" و"العرافة"، وأمر بالعلم والتعلم، بل وحث على الأخذ بأسباب الشفاء وتعلم الطب والتداوي من خلال التعاليم النبوية الشريفة التي وردت في الأحاديث المطهرة، والتي أطلق عليها العلماء "الطب النبوي"، كما ضبطت التعاليم النبوية آداب زيارة المريض وعيادته، وأمرت بالأخذ بأسباب الصحة والسلامة من خلال ما يسمى العزل الطبي، والأمر الصريح بمتابعة الطهارة ونظافة الجسد والأكل والملبس والأثاث، حتى أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم بضرورة الطهارة عند زيارة المريض بقوله: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم عاد أخاه المريض فقد بوعد من النار"، وسبب الطهارة جاء هنا طلباً لسلامة المريض من العدوى، وقد قال الشاعر:
إذا ما الجرح رُم على فساد
تبين فيه إهمال الطبيب
كما كان مصطلح العزل الطبي لمرضى الأوبئة أو أمراض العدوى صريحاً في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يورد ممرض على مصح".
علاج نفسي
وأشار "ابن سينا" إلى أثر الأحوال النفسية للمريض على الجهاز الهضمي وقرحة المعدة والقولون، حتى لقد حدث في ذلك قصة طريفة مفادها أنه استُدعي لعلاج شاب يئس الأطباء من حاله، ولما فحصه عرف أن ليس به داء عضوي، فأمسك بيد المريض وأخذ يعد نبضه ويحدثه حتى ذكر له اسم فتاة قيل إن هذا الشاب يعشقها، فشعر "ابن سينا" بسرعة نبضات قلبه، فقال لأهله: "إنه عاشق فزوجوه من فلانة"، فكان له ذلك فشفي بإذن الله.
وهذا يدلل على أن الطبيب العربي كان يحبس النبض من عروق اليد، حتى لقد قال العاشق الهائم "ديك الجن" وهو يصف حاله مع العشق، بيته الشهير في زوجته:
جس الطبيب يدي جهلاً فقلت له
إن المحبة في قلبي فخل يدي
وهذه قصة طريفة أخرى حدثت لمكتشف الدورة الدموية الصغرى "ابن النفيس" الذي كان في أحد حمامات الشام يتمتع بالبخار والماء الدافئ والعامل يدلك جسمه برفق، فأخذ "ابن النفيس" يجس نبضه بنفسه، وكان قد قاسها قبل دخوله الحمام، فلاحظ حينها أنه مع الحمام المريح ترتاح الأعصاب وتقل سرعة النبض عنها في الأجواء الانفعالية، فخرج بسرعة ودخل إلى مخازن الملابس وأخذ قلمه وبدأ يدون ويكتب حتى مضى وقت ليس بقصير، ليعود إلى مستراحه، وقد وضع كتابه "رسالة في النبض".
طب المسنين
وعرف المسلمون في العصر العباسي "طب المسنين" الذي استحدثه "ابن سينا" وخصص له باباً مستقلاً في كتابه (القانون في الطب)، بل كانوا يكتبون على أبواب المستشفيات الخاصة بالمسنين قوله تعالى: "وبالوالدين إحسانا"، وكذلك كان اهتمامهم ب"طب المجانين" و"طب المساجين" الذي قال عنهم "ثابت بن قرة": "إنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض وهم ومعوقون عن التصرف في منافعهم، ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم، فينبغي أن نفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم، وتحمل لهم الأدوية والأشربة ويطوفون بها في سائر الحبوس، ويعالجون فيها المرضى"، كما كانوا يتحايلون على الأدوية غير المستساغة ويعالجون مرارتها أو حموضتها بالعسل والفاكهة.
صيدلة وعطّارين
وكان الاهتمام بعلم الصيدلة فريداً من نوعه، حتى أن "البيروني" أفرد له كتاباً خاصاً سماه (الصيدلة)، كما اختص "ابن البيطار" ب"علم الطب البديل"، وألف كتابه الشهير (مفردات الأدوية)، وذاعت شهرة هذه الكتب في العصر الحديث في أوروبا حتى نقلت مصطلحاتها كما هي كمصلح شراب "syrop" وكلمة كحول "Alcohol"، وقد نقلها العرب عن القرآن الكريم إذ أطلق على الخمر اسم الغول قال تعالى: "لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ"، كما هو مصطلح العلاجات القلوية "Alkali" والأكسير "Elxir" والصودا "oda" و"Clamp"، وغيرها من المصلحات الطبية والعشبية.
وفي الحديث عن الصيدلة ثمة قصة طريفة وقعت ل"بشار بن برد" وهو الشاعر الذي أدرك الدولتين الأموية والعباسية إذ يقول: "مات حمار لي كان عزيزاً على نفسي، وكنت عزيزاً عنده، فحزنت عليه أشد الحزن، فرأيته في المنام فقلت له: يا حماري ألم أبرد لك الماء، وأنقل لك الشعير، وأحسن اليك جهدي؟، فلِم مت على غفلة؟، وما خبرك؟، قال: نعم، لما كان في اليوم الذي وقفت على فلان الصيدلاني تكلمه في كذا وكذا، مرّت بي أتان حسناء، فرأيتها فأخذت بمجامع قلبي، فعشقتها واشتد وجدي بها، فمت كمداً متأسفاً، فقلت له: يا حماري، فهل قلت في ذلك شعراً؟، قال: نعم، وأنشدني: هام قلبي بأتان عند باب الصيدلاني، تيمتني يوم رحنا بثناياها الحسان، وبخدين أسيلي كلون الشنفراني، فيها مت ولو عشتُ إذن طال هواني"، فقيل لبشار: وما هو الشنفراني يا أبا معاذ؟، فقال: قبحكم الله هذا من لغة الحمير، فاذهبوا لتسألوها"!.
ورقة الأنعات وهي ما تسمى بالوصفة الطبية حديثاً
ورقة أنعات
وكانت ورقة الوصفات الطبية تسمى ورقة "الأنعات" أي الوصفات وكان ابن البيطار -شيخ العطارين- قد اكتشف وحده (300) نبات طبي شرحها ووصفها وصفاً طبياً دقيقاً، حتى كان العالم الغربي "سارتون" يقول عنه: إنه أعظم عالم نبات في التاريخ كله.
وفي الجراحة كان "أبو القاسم الزهراوي" آية من آيات القرن الرابع الهجري التي وهبها الله لأرض الأندلس وبلاد المغرب والجنوب الأوروبي، حيث كانت الوفود تصل إلى هذا الرجل من كافة أصقاع المعمورة والقارئ لسيرته وإنجازاته يُذهل ويُعجب أيما عجب، كيف كان "الزهراوي" يجري عمليات العصر الحديث قبل أكثر من ألف سنة، إذ وصف المهندس والمؤرخ "صبحي سليمان" في كتابه (المخترعون العرب أصل الحضارات) كيف كان "الزهراوي" ومن بعده "ابن النفيس" يجريان عمليات استئصال اللوزتين واللحمية وحصوة المثانة وعمليات الحمل والولادة وربط الشرايين وإيقاف النزيف، كما استخدموا "البنج" الذي عرفه المسلمون باسم "المرقد"، والاطلاع على أعمال هذين الطبيبين أمر يخلب الألباب، لاسيما في عمليات الجراحة والتجميل، وكذلك معالجة السمنة، ناهيك عن علاجات البصريات، وما قدمه "ابن الهيثم" من تشريح العين واختراع النظارة الطبية والمجاهر و-التليسكوبات-، فيما يسمى عند العرب "طب العيون" أو "الكحالة"، وكما هو علاج الكسور العظمية التي أبدع فيها العرب منذ الجاهلية.
علاج العين والبصريات عُرف قديماً
استئصال السرطان
أما في علاج مرض السرطان -أعاذنا الله وإياكم منه-، فقد كان ل"ابن سينا" رأي فيه لخصه في ثلاث نقاط، وهي الاكتشاف المبكر ثم الجراحة المبكرة فالاستئصال التام، في حين كان "الزهراوي" -أبو الجراحة- يرى ضرورة سرعة استئصاله إن كان في موقع يمكن استئصاله منه، أما إذا تقدم به الزمن فيقول في هذه الحالة: "إني ما استطعت أن أبرئ منه أحداً، ولا رأيت قبلي غيري وصل إلى ذلك"، وهو بذلك يستوحي قول "أبي العتاهية":
إن الطبيب بطبه ودوائه
لا تستطيع دفاع محذور القضا
مال الطبيب يموت بالداء الذي
قد كان يبرئ مثله فيما مضى
هلك المداوي والمداوى والذي
جمع الدواء وباعه ومن اشترى
مات كمداً
وكان "الوليد بن عبدالملك" و"عمر بن عبدالعزيز" مهتمين بما نسميه الآن "الخدمة الاجتماعية"، حيث وفرا للمكفوفين والمقعدين وذوي الإعاقة مخصصات مالية ودوراً إيوائية، وخصصوا لكل كفيف أو معاق من يخدمه ويقف على شؤونه، كما عزلوا "المجذومين" ومرضى الأوبئة المعدية عن الأصحاء، وأقروا لهم المقررات المالية والكوادر الطبية، ولاحظ أن هذا كان في القرن الأول من الهجرة النبوية الشريفة.
وعرف عن العرب والمسلمين قولهم "مات كمداً" أي مات ضيقاً وحسرة، ولذا روي أن عالم النحو "سيبويه" مات "كمداً" وهو في عنفوان شبابه، بعد أن ظلم في قصته الشهيرة مع "الكسائي"، و"الكمد" ضرب من الأمراض النفسية، هو بين الاكتئاب و"المنخوليا" في العلم الحديث، كما يقال إن فلاناً مات بذات الجنب ويقصدون بها "الزائدة الدودية"، أما القرحة فقد عرفت باسمها الحالي، وتذكر كتب التراجم أن "الحجاج بن يوسف" مات من قرحة المعدة، أما "الجاحظ" فقد عانى طويلاً من مرض "النقرس" المسمى "داء الملوك"؛ لأنه يصيب من يكثرون من أكل اللحوم الحمراء ويفرطون بتناولها، كما عانى في آخر حياته من "الجلطة" وهو ما يسميه العرب "الفالج"، وكان ل"الجاحظ" عبارة مشهورة يقولها لكل من يزوره ويسأل عن حاله إذ يقول: "ماذا تأمل من رجل لو قطّع نصف جسده بالمناشر لما شعر به، ولو وقعت ذبابة على النصف الآخر لبكى من الألم"، وهو يقصد "الفالج" و"النقرس"، ويقول "ابن النديم": إن "الجاحظ" مات بسبب كتبه التي تهاوت على هامة رأسه، ومات وعمره قرابة الخمس وتسعين سنة بعد معاناة مع المرض، وقد زاره الناس ما عدا ابن أخته فإنه لم يكن يعود المرضى؛ لأن اسمه "يموت بن مزروع"، وكان الجاحظ قد ألف في حياته كتاباً أسماه: "البرصان والعرجان والعميان والجولان" سخر -سامحه الله- فيه من بعض أهل زمانه.
العلاج النفسي استخدمه القدماء وأثبت نجاحه
داء الحكة
أما "الغرغرينا" التي يسميها العرب "الآكلة" والتي أصابت التابعي الجليل "عروة بن الزبير"، فقد كانت مشهورة عند الأقدمين، إذ يعالجونها بالبتر حال معرفتهم بها، وتذكر كتب التاريخ أن الخليفة العباسي "الناصر" توفي من الفشل الكلوي، رغم حرصه على تنقية الماء الذي يشرب منه هو وأبناؤه، حيث كان يغليه بالنار أكثر من مرة، كما كانوا يسمون مرض "الجرب" ب"داء الحكة"، وقد اكتشف الطبيب الأندلسي "ابن زهر" جرثومتها حتى قال عنه سارتون: "إن ابن زهر يعد أبو علم الطفيليات"، والقاري لتفاصيل الساعات الأخيرة لحياة "صلاح الدين الأيوبي" كما ذكرها القاضي "ابن شداد" في كتابه "النوادر السلطانية"، يدرك جيداً أنه توفي -رحمه الله- بما يعرف اليوم بمرض "السكري"، وكان الخليفة "المأمون" حين وفاته يصيح "يا من لا يزل ملكه ارحم من قد زال ملكه"، وقد توفي بعد أن ضربته الحمى بسبب سمكة صغيرة قفزت من الإناء الذي كان أمامه، فنضح الماء على صدره في شتاء بارد، فأصابته الحمى التي قال عنها "المتنبي":
وزائرتي كأن بها حياءٌ
فليس تزور إلاّ في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا
فعافتها وباتت في عظامي
قيس بن الملوح
وكان العرب لا يكثرون التسمية لشيء إلاّ لذوات الشأن كالصحراء والسيف والأسد، وكذلك كانت الحمى التي يسمونها أيضاً "المكثرة"؛ لكثرة ما تشد على صاحبها، لاسيما إذ حل الظلام، كما عرف العرب "الذبحة الصدرية" وسموها "الخوانيق"، وبها مات السياسي "سعد زغلول"، كما مات بها الأديب "المنفلوطي"، أما "أحمد عرابي" والشيخ "محمد عبده" فقد توفيا بالسرطان، كما قيل إن "أبو نواس" الشاعر المشهور توفي كمداً مكتئباً، وتوفي "حافظ إبراهيم" بالحمى الشوكية، أما الإمام "سعود بن عبدالعزيز" فقد توفي بحصر البول، ومات الملك "فؤاد" بتضخم الكبد والكلى كما شمل تقرير وفاته التهاب الرئة، أما "قيس بن الملوح" -مجنون ليلى- فقد زعم "د.حجر البنعلي" مؤخراً أنه توفي بتصلب الشرايين الذي توفي به أمير الشعراء "أحمد شوقي"، ورغم هذا فقد ذكر المسعودي في كتابه "مروج الذهب" كيف توفي "قيس بن الملوح"، وكيف وجدوه جثة هامدة عند أحد الأودية في مضارب بني عامر، بعد أن هام على وجهه في الأرض من مرض العشق وهو يقول:
أعد الليالي ليلة بعد ليلة
وقد عشت دهراً لا أعد اللياليا
وقائلة واحسرتاه لشبابه
قلت أجل واحسرتاه لشبابيا
ألا يا طبيب الجن داوني
فقد أعيا طبيب الإنس دائيا
قال هذا بعد أن كان يتمنى أن يداوي "ليلى" وهو يقول:
وإني لأستغشى وما بي نعسة
لعل خيالاً منك يلاقي خيالنا
يقولون ليلى في العراق مريضةٌ
يا ليتنى كنت الطبيب المداويا
أما مرض "البواسير" فقد عرفه العرب باسمه منذ القدم وذكر العلماء أن الإمام "الشافعي" يجلس لطلابه الساعات الطوال يعلمهم ويدرسهم رغم ما يعانيه من آلامها، وكذلك كان العلامة "ابن حجر"، وكان الشاعر العباسي "الهجّاء ابن بسام" يقول في هجاء أبيه، رغم أنه كان من أجود وأكرم أهل زمانه:
خبز أبي جعفر طباشير
فيه الأفاوي والعقاقير
فيه دواء لكل معضلة
للبطن والصدر والبواسير
علاج الأعشاب
وفي الجزيرة العربية وقبل ما يقارب من ستين عاماً كان الطب الشعبي والأطباء الذين لم يتلقوا علوم الطب في المدارس النظامية أو الجامعات المعتمدة، قد اجتهدوا في معالجة أهل زمانهم، إذ عرف العلاج بالأعشاب والمراهم المحضرة من النباتات ودهون الحيوان، كما عرف العلاج ب"الصعوط" و"الكي" و"الجحامة" و"تجبير الكسور"، كما كان "اللعوط" و"العنزروت" و"الصبرة" و"دم الخوير" و"قطور بقّم"، إضافةً إلى "قلب الجوزة" و"الحلتيتة" علاجات مشهورة متداولة، ويذكر "ناصر بن عبد العزيز الحميدي" في مذكراته قبل أكثر من ثمانين سنة، أنه في إحدى رحلاته في تجارة والده في نجد بصحبة أحد الرعاة، وفي إحدى الشعاب قُرص الراعي من ثعبان هاجمه، فضل يصيح وقد قتل الثعبان، إلى أن جاء أصحابه فتنقلوا به يبحثون له عن علاج، وفعلاً وجدوا أحد الرعاة الذي أعطاهم خروفاً فذبحوه وشقوا بطنه، وربطوا رجل المصاب ب"كرشة الخروف"، وما هي إلاّ ثوانٍ حتى عاد المصاب سليماً معافى، بل إنه مشى معهم وأكل من العشاء أكثر مما أكلوا.
كما أن الأجداد ما يزالون يذكرون "سنة الرحمة" عام 1337ه حيث انتشرت الأوبئة وتفشت العدوى بين الناس، وقيل إن ذلك كان بسبب كثرة الموتى وتراكم الجثث أبان الحرب العالمية الأولى، وهذا الوباء هو الذي صنفه الأطباء مؤخراً بالانتشار الأول لمرض إنفلونزا الخنازير، وكان الأجداد يسمون التهابات الحلق ب "أبو الهيزن"، كما يسمون "التهاب اللوز" ب"خازباز"، ويسمون الثعلبة ب"القوبي"، و"العصب السابع" ب"أبو الوجية" أو "اللوف"، كما يسمون التهابات العين ب "الهزوم".
آلات حديثة
وفي العصر الحديث تقدم الطب بكافة تخصصاته وفروعه ودخلت الآلة الحديثة في العمليات الجراحية والتقويمية، كما تقدم علم الصيدلة والطب النفسي والطب البديل، بل لقد دخلت التقنية الحديثة بأجهزتها الإلكترونية في غرف العلميات، وأصبحنا نسمع ونرى عمليات "الليزر" و"الليزك"، كما أصبحت عمليات الاستئصال والقسطرة وتفتيت الحصوة تعالج ب"المناظير" و"أشعة الليزر"، وأصبحنا نسمع بزراعة الخلايا الجذعية وعمليات زراعة الأعضاء وأطفال الأنابيب ونقل الدم، ورغم ذلك يظل الطبيب وتظل العلوم الطبية عاجزة عن علاج بعض الأمراض ومقاومتها، بل ومعرفة أسبابها وتشخيصها، وليس ذلك إلاّ لحكمة إلهية، إذ طالما وقف الطبيب حائراً أمام مرضاه، وكأنه يستشهد بأبيات "أبو العتاهية" حين قال:
وقبلك داوى الطبيب المريض
فعاش المريض ومات الطبيب
فكن مستعداً لدار الفناء
فإن الذي هو آتٍ قريب
يخاف على نفسه من يتوب
فكيف تُرى حال من لا يتوب
ويُذكر أن الإمام القرطبي قال في تفسير قوله تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"، أن العلماء أجمعوا على أن هذه الآية الكريمة قد جمعت الطب كله.
تجبير الكسور أثبت فعاليته في التحام العظام مرةً أخرى
أدوية شعبية لايزال يستخدمها الناس حالياً
نوع من النباتات الطبية
طبيب يُجري فحصاً للنبض عبر السماعة
عمليات المنظار عبر الأجهزة الحديثة
متابعة نتيجة التحاليل عبر المجاهر الإلكترونية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.