«الخيال أهم من المعرفة» نسب هذا القول إلى العالم الفيزيائي المشهور ألبرت آينشتاين، وهو بحر لا ساحل له – أي الخيال - ولا قرار، وهو نافذة تطل على الإبداع والإتقان، أو بوابة عريضة من بوابات الجنون والانسطال! وهو ترياق مريح، ودواء مخدر لدى الكسالى، لكنه لا يسمن ولا يغني من جوعٍ أو مسغبةٍ، ولا يحقق آمال مؤملٍ ما لم يشفعه صاحبه بالعمل والمبادرة. يقول الجاحظ: دخلت يوماً مدينةً فوجدت معلماً في هيئةٍ حسنةٍ، فسلمت عليه ورد علي أحسن السلام ورحب بي، باحثته في القرآن فإذا هو ماهر به، ثم تذاكرنا الفقه والنحو وأشعار العرب، فإذا هو كامل الآداب، فقلت سأختلف إليه وأزوره. وجئت يوماً لزيارته فإذا بالكتاب مغلق وصاحبي غائب، ولما سألت عنه قيل: إنه مات له ميت فحزن عليه وجلس في بيته! فذهبت إليه وطرقت عليه الباب فخرجت لي جارية سألتني عن مرادي وأخبرتها بصدد الزيارة فأدخلتني عليه، فوجدته حزيناً ساهماً، فقلت له عظم الله لك الأجر وكل نفسٍ ذائقة الموت! هل الذي مات والدك؟ قال: لا فأخوك... إلى أن عددت له أقرب الناس إليه وهو يجيب بالنفي، فقلت بعدما احترت في أمره، فمن؟ قال: حبيبتي! فقلت: هذه أولى العجائب ثم سليته وصبرته، فقال: والله ما رأيتها في حياتي! فقلت: هذه هي الثانية، ثم سألته عن القصة فأجاب بأنه سمع يوماً رجلاً يرتجز: يا أم عمرو جزاك الله مكرمة – ردي علي فؤادي أينما كانا. فقلت لنفسي: لولا أن أم عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها، ما قيل فيها هذا الشعر، فعشقتها، فلما كانا منذ يومين حتى سمعت الراجز يقول: ذهب الحمار بأم عمرو – فلا رجعت ولا رجع الحمار فعلمت أنها ماتت فحزنت عليها وأغلقت المكتب وجلست في الدار، قال الجاحظ: فقلت يا هذا، إني كنت قد ألفت كتاباً في نوادركم معشر المعلمين، وكنت حين صحبتك قد عزمت على تقطيع الكتاب لما رأيته من رجاحة العقل بادئ ذي بدء، والآن قد قويت عزمي على إبقائه وأول ما أبدأ بك إن شاء الله!