يوم الاثنين 13 أبريل - نيسان من الشهر الجاري حلت الذكرى الأربعين على تفجر الحرب الأهلية اللبنانية، وفي ظل استمرار الأزمة المستعصية التي يعيشها لبنان، وفي أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وتشابكاتها الإقليمية، وخصوصاً مع استمرار الصراع والحرب الأهلية في سوريا وما خلفته من تهجير لملايين السوريين إلى خارج وطنهم، وقد قدرت الأممالمتحدة في تقرير صدر عنها أخيراً «أن يتجاوز عدد اللاجئين السوريين في لبنان مع نهاية العام الحالي المليون ونصف المليون، أي أكثر من ثلث السكان»، محذرة من «العبء الثقيل المتزايد الذي يعاني منه اقتصاد البلد الصغير ذي الموارد المحدودة نتيجة ذلك». وفي واقع الأمر فإن مختلف الفرقاء في لبنان لم ينتبهوا بشكل جدي إلى تاريخ 13 أبريل ودلالاته ودروسه، لأنهم باتوا يعيشون بالفعل تلك الأجواء الداكنة والمتفجرة بسبب العوامل الداخلية والإقليمية في الآن معاً، وبالتالي فإن تجاوز مخلفات الحرب الأهلية، واستعادة الوحدة الوطنية وبما يكفل تدعيم وحدة واستقلال وأمن لبنان وشعبه، وتوجيه الطاقات من أجل التنمية المتوازنة، وترسيخ دعائم العيش المشترك، والسلم الأهلي بين مختلف مكوناته السياسية، والطائفية، والمذهبية لا يزال أمراً بعيد المنال. هذا الاحتقان الداخلي المتزايد أحد مؤشراته الدالة الفراغ في سدة الرئاسة، وقد حذرت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ أخيراً من استمرار هذا الفراغ والذي أوشك أن يبلغ مداه سنة كاملة، وبأن الجمود في انتخاب رئيس للجمهورية تقوض قدرة لبنان على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها ويضر بالسير العادي لعمل المؤسسات اللبنانية»، ما يزيد الأمر خطورة هو دخول التنظيمات المسلحة المتطرفة كداعش وجبهة النصرة على خط الأزمة اللبنانية. في ظل هذه الأوضاع المعقدة والخطيرة فإن اندلاع الحرب الأهلية ليس مستبعداً، وقد تحتاج إلى حادثة أو عنصر تفجير مماثل لحادثة باص عين الرمانة في 13 أبريل/ نيسان 1975كي يشهد لبنان (الكيان والوطن والشعب) من جديد حرباً أهلية شاملة. وإذا أمكن تطويق بعض الحوادث والصدامات الطائفية والسياسية العنيفة التي حدثت بالفعل، ومنع تداعياتها من الامتداد، فليس هناك من ضمانات لعدم حدوث ذلك مستقبلاً في ضوء الانقسامات العمودية والأفقية والاصطفافات والاحتقانات الحادة، بتجلياتها السياسية والطائفية والمذهبية، وعجزلفرقاء المتصارعين (14 آذار و8 آذار) في الوصول إلى حل توافقي، يأخذ بعين الاعتبار مصلحة ومستقبل بل ووجود لبنان وشعبه أولاً وأخيراً، خصوصاً في ظل التجاذبات والصراعات الإقليمية والدولية، وتشابك الوضع اللبناني على نحو غير مسبوق بالأزمات والأوضاع الملتهبة في عموم المنطقة، كما هو الحال في سورياوفلسطينالعراق، إلى جانب استفحال الاحتقانات الطائفية والمذهبية، في بلدان المنطقة، وبين النخب والشعوب العربية على نحو غير مسبوق. إبان حرب الخمس عشرة سنة التي أكلت الأخضر واليابس في لبنان، وعلى رغم التجليات والتمظهرات الطائفية الحادة للحرب، ودور أمراء الحرب وزعماء المليشيات والطوائف في تأجيجها، كان هناك مشروعان متصارعان، هما مشروع الجبهة اللبنانية (اليميني) ومشروع الحركة الوطنية اللبنانية (اليساري)، من دون أن ننسى بالطبع الوجود القوي لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي سعت قيادتها لتوظيف هذا الصراع خدمة لمشروعها في فلسطين. ومن ناحية أخرى فإن لبنان خاض معركة شرسة (بالوكالة) أسهمت فيها مختلف الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة، حيث تحول لبنان إلى ساحة ساخنة لتصفية حساباتها وصراعاتها. لقد أفرزت الحرب الأهلية اللبنانية ما سمي (اللبننة) التي تعني حالة التشظي والانقسام العمودي والأفقي العميق، في حرب الجميع ضد الجميع، وفي ظل انهيار شامل للدولة ومقوماتها ومؤسساتها ولمجمل التكوينات الاجتماعية المدنية، ناهيك عن التدمير الشامل للبنية التحتية، والمرافق الخدمية. وقد أججت الحرب الأهلية الأحقاد والرفض المتبادل من منطلقات طائفية، ومارست المليشيات المسلحة حرب تصفيات (على الهوية) جسدية بشعة، ووصل العنف إلى داخل، وبين صفوف الفريق أو الطائفة الواحدة (على غرار التصفيات التي تجري في منظمات المافيا) من أجل فرض وحدانية السيطرة، والسلطة المطلقة. وقد أدت هذه الممارسات الدموية إلى مقتل، وجرح، وإعاقة عشرات الآلاف وإلى تهجير مئات الآلاف من المدنين، حيث اضطروا إلى مغادرة مدنهم وقراهم إلى مناطق أخرى وفقاً للفرز المناطقي/الطائفي، ما رسخ واقع الكانتونات ووطد فكرة المعازل (الغيتو) على الصعيد الجغرافي، الديمغرافي، النفسي والثقافي. كما أدى الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الشامل، وتداعي مؤسسات الدولة، وتدمير البنية التحتية والخدماتية، وتفاقم التضخم والغلاء، وانهيار الليرة اللبنانية، إلى اتساع نطاق الفقر والبطالة، وإلى هجرة مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الخارج. وللحديث صلة..