تكثر التكهنات والتوقعات حول انتهاء حرب اليمن. وتعليق الشارع بأمل قصر مدة العمليات العسكرية في اليمن بانتصار التحالف له نتائج سيئة، إن لم يتحقق. فالحرب قد تنتهي اليوم، وقد تطول لسنوات. فالبعض يعتقد أن أقصى مدى لها هو ستة أسابيع كما في الضربة الجوية للعراق وهذا قياس سطحي. في حرب تحرير الكويت، وبسبب تمركز القوات العراقية في صحراء مكشوفة وتوفر قوة جوية ضاربة لقوات التحالف، كان يمكننا دخول الكويت وتحريرها بعد قصف أسبوع واحد. فما كان عند العراقيين رغبة للقتال، بعد أن أطارت مشاهد تجمع قوات التحالف نشوة احتلالهم الكويت. وشاهد هذا، حصل تماما عندما دخلت أمريكاالعراق في حرب الخليج الثالثة ولم تلق أي مقاومة عراقية. وكون الضرب الجوي استمر لمدة خمسة وأربعين يوما في العراق في حرب تحرير الكويت، كان سببه والله أعلم، أن وضع العراق عام 1991، كان شبيها بوضع إيران اليوم (والذي ارتأى أوباما معاملة الوضع الإيراني بطريقة سياسية مخالفا لنهج بوش بمعاملته مع الوضع العراقي بطريقته العسكرية). فقد كانت هناك شكوك كثيرة حول مقدرات العراق النووية. شكوك تدعمها جرأته على إقدامه على احتلال الكويت. فالضرب الجوي الذي استمر لستة أسابيع، كان مركزا في عمق العراق على كل ما يشتبه به من مواقع مشبوهة. وأما ضرب القوات العراقية الغازية، المتخذة مواقع دفاعية في الكويت وجنوب العراق، فقد كان مجرد إشغالا لهم، وللإعلام ولتشتيت الانتباه الحربي عن ضرب الأهداف العراقية العميقة التي ليس لها أي علاقة مباشرة باحتلال الكويت، بل بالأمن المستقبلي لإسرائيل والخليج والمنطقة كلها. وأمريكا كذلك، كشاهد عكسي لما واجهته في احتلالها للعراق، واجهت الأفغان بعد حادث سبتمبر، ورمتهم بأبنائها المتشوقين للثأر. وقد ضربت القوات الجوية الأمريكية بالطيران الأهداف الأفغانية المدافعة ضربا قاسيا بلا رحمة. فلما حاول الأمريكان الاقتحام البري فشلوا فشلا ذريعا. فما استطاع الأمريكان دخول أفغانستان إلا بالشماليين الذين كانوا أعلم بأرضهم وباستراتيجيات قومهم الحربية، وكانوا أحرص من الأمريكان على الحرب، فقد كانوا يحاربون دون أنفسهم. والوضع اليوم في اليمن كوضع أفغانستان بالضبط. فليس في اليمن أهداف استراتيجية ليس لها علاقة بالحرب لكي تُضرب. فالضرب الجوي الآن كله في الإمدادات والمستودعات والدفاعات الحوثية، وهذا الضرب يجرح ولكن لا يقتل. فإن كان وضع اليمنيين الحوثيين مثل الطالبان، فهؤلاء لا تهزمهم إلا قوات برية يمنية، كالشماليين الأفغان تعرف التضاريس وتعرف طرقهم الحربية معرفة تلقائية، ولهم مطالب وحقوق وثارات على الحوثيين. فإن كانت قوات هادي اليمنية، والثوار اليمنيين الأحرار، كذلك، كالشماليين الأفغان، فالحرب اليمنية لن تأخذ أسبوعين وحتى قد تنتهي غدا. وإن لم تكن كذلك فالحرب ستطول أمدا الله به عليم، وقد لا ينهيها إلا انضمام رجال من داخل الحوثيين إلى التحالف، والحرب خدعة. فالحوثيون اليوم، أشبه بالعلويين، قد أصبحوا يقاتلون دون دمائهم. يجب أن نعد نفسيات الشارع على ذلك، وتكون الصورة واضحة لكي لا يتهم جيشنا وقيادتنا بالفشل لمجرد استمرار الحرب لشهور. فاليوم ليس هناك خط رجعة في التنازلات، بعد توجيه الإعلام للشارع السعودي إلى هذا الموقف، كنشر الإعلام لتفاصيل المطالب اليمنية في نجاة المخلوع صالح وزمرته. ولو حققنا الأهداف الإستراتيجية الكلية، وأرجعنا اليمن لأهله وقطعنا المطامع الإيرانية، ولكن بتقديم تنازل قد رفضناه قبلا، من أجل حقن دماء اليمنيين والاستنزاف الحربي. ولهذا كم وددت لو أن الإعلام لم يدخل في نشر تفاصيل المطالب التفاوضية على الأقل. فما قد يتركه أي تنازل ولو بعد عام سيكون محطما ومخيبا كثيرا للعامة بعدما رفع الإعلام التوقعات، والعاقل من يعظم النصر بتعظيم عدوه وبتوقعاته للأدنى، والحكيم من يخفف من احتماليات الخسارة بتوقع الأسوأ. على أن انتصار قوات التحالف آتٍ سوا قريباً أو فيما بعد.