قد نحتاج بين فينة وأخرى وللأسف التذكير بمميزات الشريعة الإسلامية لبعض أبناءها الذين أهملوا وقصروا عن مطالعة احكامها وحكمها ومقاصدها، فضلا عن كونها من عند الله وهذا يكفي لبيان أنها الحق وغيرها الباطل، وأهم مميزات الشريعة الإسلامية كما يلي: الميزة الأولى: الكمال تمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بكمالها وهذا يعني أنها استكملت كل ما تحتاجه الشريعة الكاملة من قواعد ومبادئ ونظريات، وأنها غنية بالمبادئ والنظريات التي تكفل سد حاجات الجماعة في الحاضر القريب، والمستقبل البعيد، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة. متمثل في أحكام عباداتها ومعاملاتها، ونظمها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والجنائية، بل وكل منحى من مناحي الحياة. الميزة الثانية: السمو وتمتاز الشريعة الإسلامية على كافة القوانين الوضعية بالسمو، أي : أن قواعدها ومبادئها وأحكامها، أسمى دائماً من مستوى الجماعة، وفيها من المبادئ السامية التي تفوق مستوى الجماعات والعقول البشرية. لذلك جاءت نصوصها أرفع من مستوى العالم كله وقت نزولها، ولا تزال كذلك حتى اليوم، وجاء فيها من المبادئ والنظريات مالم يتهيأ للعالم غير الإسلامي معرفته والوصول إليه إلا بعد قرون طويلة، وبعض الحكم والمبادئ لم يتهيأ العالم لمعرفته حتى الآن، وعندما ترك بعض المسلمين هذه التعاليم السامية ظنوا وهم في غمرة انطاطهم وانبهارهم من تقدم الغرب التقني والصناعي، وظنوا أن هذا راجع لقوانينهم وأنظمتهم فذهبوا ينقلونها، وينسجون على منوالها، مالم تزيدهم إلا تخلفا وضعفا وانحرافا. الميزة الثالثة: الثبات والشمول (صلاحيتها لكل زمان ومكان) وكذلك امتازت الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بالدوام، أي : الثبات والاستقرار، فنصوصها لا تقبل التعديل والتبديل فمهما مرت القرون وطالت الأزمان وهي مع ذلك تظل محافظة على صلاحيتها لكل زمان ومكان، بخلاف القوانين الوضعية فهي عبارة عن قواعد مؤقتة تضعها الجماعة لمصالحها الآنية بخلاف الشريعة الإسلامية فهي سابقة لكل جماعة بل هي تنظم الجماعة وتصنع أحكامها ومبادئها ومنطلقاتها وغاياتها، بل هي التي تصلح كل مكان حلت به، وكل زمان مرت به. ولقد مر على الشريعة الإسلامية 14 قرنا، تغيرت خلالها الأوضاع، وتطورت الأفكار، وذهبت جماعات، وجاءت أخرى، وأحدثت صناعات ومخترعات حديثة مالم يخطر على قلب بشر، ومع ذلك بقيت الشريعة الإسلامية ثابتة المباني شاملة المعاني والأحكام مستوعبة لكل جديد وحديث، منقحة لما يمكن تنقيحه، أو رادة ورافضة لكل مخالف لمبادئها وأحكامها. وهذه المميزات الجوهرية للشريعة الإسلامية ماكان لها أن تصل إلى ماوصلت إليه إلا لأنها من لدن حكيم خبير عليم، قال تعالى : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء. عمر بن عبدالله المشاري السعدون - عضو الجمعية الفقهية السعودية