مرت بنا سنوات طويلة ونحن لا نعرف من الثقافة إلا ما كانت تصبه أمام أعيننا جماعة الإخوان المسلمين من كتب ومجلات، وتوارت في الظل كتب التراث والكتب الأدبية الحديثة؛ بحيث لا يلجأ إلى كتب التراث إلا طائفة من السلفيين الذين يجدون عند ابن القيم والغزالي وابن تيمية وابن حنبل وابن عبد الوهاب وابن سعدي رحمهم الله جميعا ضالتهم، وانزوت فئة نخبوية عالية الثقافة في أبراجها العاجية تتبادل المعارف الأدبية بين أعداد قليلة لا تكاد تذكر ولا تحدث أي تأثير في حركة المجتمع، وهي تلك الفئة التي كانت تهتم بالأدب الحديث وقضايا الثقافة في مراكزها الفاعلة في مصر والشام؛ فكانت تقرأ لمارون عبود وأنيس المقدسي وجبران خليل جبران وإيليا أبي ماضي وطه حسين وأحمد حسن الزيات ومحمد التابعي ومصطفى صادق الرافعي ومصطفى المنفلوطي وزكي مبارك وعباس العقاد وعلي ومصطفى أمين وغيرهم. تلك فئتان منزويتان في عالمهما الرفيع البعيد عن التكوين والتحشيد والعمل الحركي، فكانا أشبه ما يكونان بأدوات الزينة والتحلية في المجالس أو الندوات والمحافل العلمية المتسمة إما بغلبة المسحة الدينية السلفية، أو بظهور آثار بينة من الثقافة الحديثة عند أولئك النفر الذين التحقوا بالمعهد العلمي السعودي بمكة، أو بدار التوحيد بالطائف أو بكلية الآداب نواة جامعة الملك سعود أو بكليتي الشريعة واللغة نواة جامعة الإمام، فلم تكن الثقافة أيا كانت صبغتها ولونها تغير مجرى الحياة أو تعيد صياغتها أو توجيهها قسرا؛ بل كانت تتشارك في التأثير الإصلاحي وتطوير الحياة العامة مع مناهج التعليم ووسائل الإعلام المحلية محدودة التأثير آنذاك وما يرد إلى البلاد من مطبوعات صحفية ومؤلفات لمفكرين وأدباء عرب؛ لكن ذلك كله يهتز ويبدأ في التحول الخطير مع مطلع التسعينيات الهجرية من القرن الماضي بوفود عناصر مهمة ومؤثرة من جماعة الإخوان المسلمين إلى البلاد، بعد أن واجهت حملات تطهير فكرية وجسدية عنيفة من النظام الناصري بدءا من عام 1954م وليس انتهاء بعام 1966م العام الذي أعدم فيه رمز كبير من رموز الجماعة؛ فتوالى توافد الجماعة على المملكة وبلدين من الخليج العربي هما؛ الكويتوقطر، فبدأ التغيير التدريجي في ملامح الثقافة الكويتية واتجاهاتها من العروبي القومي المنفتح الذي كان أحد رموزه الدكتور أحمد زكي مؤسس مجلة العربي، والإسلامي الحركي الذي كان أبرز صوره لا حقا بعد أن نضج التيار جمعية الإصلاح الاجتماعي ومجلتها «المجتمع» ومجلتها الثانية «البلاغ».. أما في قطر فقد تأخر ظهور التأثير الإخواني وذلك لعمق تجذر الأصول السلفية فيها بهجرات علماء نجد ووعاظها واعتماد قطر خلال فترات طويلة من تاريخها على جهود علماء الدين السعوديين، ومن أبرزهم العالمان الجليلان الشيخ الشريف عبد الله بن زيد بن محمود والشيخ المربي محمد بن مانع، وبمرور الزمن وانقلاب الاتجاه السياسي والفكري وجد رموز الإخوان في قطر لهم ملجأ آمنا؛ بحيث تبنت احتضان الجماعة وفتحت لها أبواب العمل والتوجيه، ويمثل الدكتور يوسف القرضاوي الذي منح الجنسية القطرية الصورة الأكثر جلاء للانقلاب الفكري العميق في اتجاه قطر، أما في الإمارات فقد تأخر وصول التأثير الإخواني إلى قرب مطلع القرن الهجري الخامس عشر الجديد؛ لكنهم وجدوا فرصة واسعة للعمل الفكري في الإرشاد الديني وفي وسائل الإعلام امختلفة؛ حتى بدأت دلائل التغيير تبدو واضحة في المجتمع الإماراتي خاصة في طبقات الشباب مما دعا حكومة الإمارات لاتخاذ موقف حازم تجاه النشاط الفكري والإعلامي والحركي للجماعة. اشتغلت الجماعة في بداية الأمر على تبني وتأسيس تلاميذ مخلصين لفكر الجماعة وتلمست وجودهم في المراحل الثانوية وفي الجامعات، وبدأت تجلب أو تطبع كتب رموز هذا الفكر ليكون المدد والزاد حاضرا بين أيدي المريدين الشباب؛ فتضاءل وجود كتب التراث والأدب الحديث وبدأت كتب ما أطلق عليه فكر الصحوة حاضرة في كل مكتبة، وقدمت هدايا للتميز وللنشاط في المعاهد والجامعات. وشكلت كتب الصحوة البذور الأولى لتكون الإخوان السعوديين.