قالوا: الحاجة أمُّ الاختراع، وما أصْدَقها. مثلاً، كاميرا الحاسب التي تعرف باسم ويب كام WEBCAM اختُرِعت لسبب بسيط: للقهوة! كان خبراء الحاسب يعملون في جامعة كمبريج، ودائماً يحتاجون إلى القهوة لينتشطوا، والمطبخ بعيد عن معمل الحاسب، وكثيراً ما يذهبون للمطبخ ليكتشفوا أن القهوة انتهت، وهكذا يضيع وقتهم، فلما أثار هذا سخطهم اخترعوا كاميرا الويب هذه، وسلّطوها على إناء القهوة؛ ليراقبوه من بعيد، ويعرفوا إذا كان ممتلئاً ويستحق عناء المشي إليه أم فارغاً فلا يضيعون وقتهم! يستغرب المرء من مثل هذه القصص؛ فالغالب أن نظن أن الاختراع يأتي بعد فترة من التفكير الجهيد والعمل الدؤوب، لكن الكثير من الاختراعات أتت من حيث لا يظن المرء. ففي عام 1870م كان توماس آدامز يعرض اختراعه الجديد على كل جهة يعرفها، وهي مادة أخذها من صمغ الشجر، وقدّمها بديلاً للمطاط للاستخدام الصناعي، فرفضته أول جهة، ثم التي بعدها، حتى توالى الرفض عليه، ومن شدة إحباطه أخذ تلك المادة ووضعها في فمه يلوكها! يبدو أن الإحباط يسبب ردات فعلٍ غريبة، لكن هذه كانت من حظه، فقد أعجبته تلك المادة، وبدلاً من بديل للمطاط أخذ يصنع تلك المادة، ألا وهي العلك! نجح هذا، وحقق توماس نجاحاً طائلاً. واختراعات المصادفة تمتد لغير ذلك. فهل تعلم أن الساكارين اكتُشِف صدفة؟ مادة الساكارين أول المُحليات الصناعية اكتشافاً، ولم تكن نتيجة أبحاثٍ شاقة وميزانيات ضخمة، وإنما كان أحد خبراء الكيمياء قد غادر مكان عمله في جامعة جون هوبكنز الأمريكية، وذهب يتناول غداءه، ولاحظ مذاقاً حلواً لمادة وجدها على يده، ولما فكّر من أين أتت تذكَّر أنها من المواد التي كان يخلطها ويدرسها في معمله، فرجع، وأكمل المزج والبحث حتى أعلن براءة الاختراع عمّا قريب. واليوم انتشرت المحلّيات الصناعية انتشاراً واسعاً في كل العالم. ويبدو أن المصادفات جزءٌ كبير من حياة الكيميائيين؛ ففي القرن التاسع عشر كان أحد الكيميائيين يحاول جاهداً أن يخترع دواءً لأكبر قاتل في تاريخ البشرية (الملاريا). وبينما الشاب يمزج المواد المختلفة في معمله لفت انتباهه لونٌ تَكوَّن من خلط بعض المركبات، فتوقف مبهوراً أمام هذا اللون الجميل، ونسي الدواء تماماً، وعكف يصنع صبغة تحمل هذا اللون الجديد، وهو «موف»، ذو اللون البنفسجي الفاتح. طبعاً هذا أقل أهمية بكثير جداً من الاختراع الأصلي الذي نوى أن يخترعه، لكن أفضل من لا شيء على الأقل! نعم، إنّ تاريخ العلم مليء بمثل هذه القصص الطريفة، ولا تقللوا من أهمية الصدفة في اختراعاتٍ عظيمة (غير لون الموف طبعاً)!