هل تحب لعبة البولنغ؟ حتى الذين لم يلعبوها من قبل لا شك أنهم سيميزون اللعبة فور رؤيتهم لكرتها السوداء الثقيلة أو تلك الأجسام الخشبية التي تضربها الكرة، أو حتى المَسار الذي تتدحرج عليه الكرة لتضرب تلك الأجسام، ولكن هناك صنفٌ من الناس لو كان حياً اليوم لنظر لقاعة البولنغ بمرارة، وهم المصفِّفُون. طريقة لعبة البولنغ أن يمسك شخص الكرة ويزحلقها على الأرض فتتدحرج بسرعة وهي تقصد تلك الأجسام الخشبية العشرة فتضربها، وبعد عدة رميات تُحسَب نقاط الرامي، وكلما زاد عدد الأجسام التي يضربها في الرمية الواحدة زادت نقاطه، ولهذا احتاج الأمر إلى شخصٍ يعيد ترتيب الأجسام بعد أن تُضرب وتتناثر يمنة ويسرة، خاصة لوكان هناك دوري أو بطولة، فظهرت مهنة اسمها «مُصفّف الأجسام الخشبية» وغالباً امتهنها الأطفال والمراهقون، أما اليوم فإن التقنية أبادت هذه المهنة، فينزل شيء من الأعلى ويرتب تلك الأجسام فتنتصب قائمة كأن لم يمسّها شيء! هذا طبيعي، فالتقنية ديدنها التطور والتغير، والناس لا يكتفون بما لديهم بل دائماً يسعى البشر لتطوير ما لديهم من أدوات، إما للمزيد من المال (كالتفوق على المنافسين) أو لتيسير الأمور أو حتى لمجرد الإبداع وإعمال العقل، وعلى ما في هذا من إيجابيات إلا أن هناك ضحايا أيضاً وهم من تتعلق أرزاقهم بالمهن البائدة، فالآن عليهم أن يبحثوا عن مجال جديد، وتَقْدر أن تقول ذلك عما حصل في مصر، فمن المشاهد المألوفة في مصرالقديمة منظر «المسحراتي» الذي يطوف الشوارع في رمضان ليوقظ الناس للسحور هاتفاً: «أصحَ يا نايم! وحِّد الدايم!»، وانقرضت هذه المهنة مع ظهور التقنية، ويشابهها قديماً من المهن الغريبة في المملكة المتحدة -وخاصة في انغلترا وايرلندا- هي مهنة تُسمّى «القارع»، وكان هذا قبل انتشار الساعات المنبهة، فكان الشخص يتفق مع قارع ليطرق بابه ويوقظه لعمله، ويحمل القارع عصا لهذه المهمة خاصة إذا كان العميل في مكان مرتفع أو طابق أعلى من الأرض، فإذا أتت الساعة المتفق عليها انطلق القارع وطرق نافذة أو باب العميل ولا يترك مكانه حتى يتأكد أنه استيقظ. وفي السابق أضيئت أنوار الشارع بالقناديل التي تعتمد على الزيت، وكان من المِهَن آنذاك مهنة تُسمّى «المُضيء»، وهو رجل يحمل عموداً طويلاً ودلواً من الزيت، فيمشي في الشوارع ويلاحظ أي عمود إنارة يوشك أن ينتهي وقوده فيملأه بالزيت، حتى أتت المصابيح الكهربائية فأزالت هذه المهنة من الوجود. هذا ما سيحصل دائماً، فالتغيير من سنن الحياة، ولا شيء يدوم، وحتى المِهَن تَبيد وتنقرض!