يقول أحد علماء النفس: لو كان فيسبوك - وهو أشهر مواقع التواصل الاجتماعي - ديناً (من ناحية عدد الأتباع).. لكان ثالث أكبر دين في العالم بعد النصرانية والإسلام! انتشار وسائل التواصل الاجتماعي من أدلة إحدى الحقائق الأكيدة، وهي أن الإنسان كائن اجتماعي. الإنسان مبرمَج أن يتواصل مع الناس وينتمي إلى جماعة، فهي غريزة دفينة فينا منذ الطفولة، لكن الاجتماعية «الإنترنتية» ليست اجتماعية حقيقية، فالاجتماعية الفعلية تنفعك عندما تخالط الناس فعلاً وتجلس معهم وتقابلهم وجهاً لوجه، فتَقوَى الصحة والمناعة والحالية النفسية، حتى إن بعض البحوث الطبية وجدت أن من ينجون من بعض الوعكات الصحية الخطيرة تزداد احتمالات نجاتهم من وعكات أخرى إذا كانوا ينتمون لمجتمع حميم كالأقارب والأصدقاء، ويزدادون سوءاً لو كانوا وحيدين منعزلين. وهذه الاجتماعية لا نَعني بها طبعاً - كما سلف - أن يجلس المرء في بيته على جوال أو حاسب ليخاطب الناس من بُعد، فهذه اجتماعية واهمة لا تنفع بل تضر، وحتى العلم يثبت هذا، فثمة دراسة أُجرِيَت في التسعينيات الميلادية وَجَدَت أن هناك رابطاً بين الانترنت وتدهور الصحة النفسية، وهذا لما كان الناس أقل استخداماً للانترنت من اليوم، واليوم يجلس الكثير من الناس ساعات طوالاً على تلك الشاشات، فأما الضرر الجسدي معروف وهو كثرة الجلوس، فكثرة الجلوس تدمر الجسم كما أرَتْنا دراسات كثيرة، منها دراسة وجدت أن الجلوس يعطل انزيمات حرق الدهون فوراً، أما الأضرار العقلية من تشتيت الذهن وبعثرة التركيز فحدث ولا حرج، بل إنها أضرُّ من ذلك، فدراسة علمية في جامعة سالفورد البريطانية على بعض المتطوعين وجدت أن أكثر مستخدمي فيسبوك ساءت حالتهم النفسية، وغالباً مرض القلق يظهر فيهم بشكلٍ ما، إضافة إلى نقص الثقة والعجز عن الاسترخاء وصعوبة النوم. دراسة أخرى في جامعة ميتشيغان الأمريكية وجدت أن الحالة النفسية ساءت بشكلٍ سريع لأناس كثّفوا استخدامهم لذاك الموقع. نعم، إنّ الاجتماعية ليست عبر الانترنت، بل هي أن تخرج وتخالط الناس، فأنت اجتماعي رغماً عنك، واجتماعيتك تبدأ ليس من الطفولة فقط بل أبكر بكثير، فالإنسان يبدأ تعلم الاجتماعية قبل أن يولد! هذه هي الحقيقة المدهشة التي اكتشفها فريق من جامعة بادوفا الإيطالية عام 2010م، فقد استخدموا أجهزة متطورة قائمة على تقنية الموجات فوق الصوتية وراقبوا خمسة أزواج من التوائم في بطون أمهاتها، فلاحَظوا أن حركة الجنين تكون سريعة وعنيفة تجاه جدار الرحم، فيركل ويدفع بلا مبالاة، لكن إذا مد الجنين يده إلى أخيه التوأم بجانبه فهو يخفض سرعته ويمدها برفق، خاصة إذا كانت متجهة للعين أو الفم، ومن ثم إذا مد الجنين يده إلى نفسه فتعود حركته سريعة ولا مبالية إلا إذا اتجهت نحو عين نفسه أو فمه فترجع حركته بطيئة وحذرة. من علّمهم؟ سبحان الخالق العظيم! أنت كائن اجتماعي قبل أن تولد. تجاهل جهازك.. تناسَ حسابك.. واجلس مع قريبٍ أو صديق..الآن!