إن المتأمل في حركة التاريخ الإنساني يلحظ التحولات الكبيرة التي شهدها هذا القرن التي أحدثتها ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات، وما نتج عنها من تداعيات زالت معها الحدود الجغرافية والفوارق الزمانية والمكانية واختصرت المشهد العالمي في صورة مرئية مسموعة يتفاعل معها إنسان الشرق والغرب أيا كان مكانه وزمانه .. وكيفما كانت ثقافته ولغته. ولعل من أهم التداعيات التي أحدثتها هذه الثورة الجديدة ظهور التكتلات السياسية والاقتصادية وهيمنة الشركات عابرة القارات التي أصبحت تشكل تحديا خطيرا على الأمم والشعوب تهدد اقتصادها الوطني وتضعف من قواها وتبقيها خارج المنافسة. من أجل ذلك غدا التوجه نحو الاقتصادي المعرفي، والاهتمام بالفكر الاستراتيجي وامتلاك الرؤية المستقبلية لبناء الإنسان صانع التنمية من أهم أدوات الدفاع عن الذات المجتمعية التي يمكن أن تبقيه في ميادين المنافسة. ومن متطلبات هذا التوجه أحداث التغير السريع في العلاقات والبنى وطبيعة الأدوار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأفراد والمؤسسات على حد سواء، وهو ما يحمل مؤسسات التعليم العلمي والجامعات مسؤولية تبني التغيير المنشود وتهيئة المجتمع له. وإذا كانت الجامعات ينظر إليها على أنها المحضن الأول لإنتاج الكوادر البشرية المؤهلة فإن أدوارها اليوم تتسع لتشمل إعادة صياغة الإنسان وتأهيله لهذه الحياة الجديدة من جهة وبناء وتفعيل الشراكة مع مؤسسات المجتمع المختلفة من جهة أخرى. فالجامعات اليوم مدعوة لاستثمار تلك التغيرات التي طرأت على مكونات بيئة الأعمال بفعل التطورات التكنولوجية ووسائل الاتصال في فتح فرص لدعم برامج ريادة الأعمال ونشر ثقافة العمل الحر من أجل تعزيز قوة العمل الوطنية وتأهيلها لتشارك بفعالية في تحقيق التنمية الشاملة لمجتمعاتها المحلية. وجامعة سلمان بن عبد العزيز إحدى الجامعات الطموحة التي على الرغم من حداثة منشئها إلا أنها تستشعر مسؤولياتها تجاه تنمية مجتمعها من خلال تبني خططها الاستراتيجية التي تستهدف تحقيق رؤيتها في «التميز في الشراكة المجتمعية»، حيث أخذت على عاتقها الالتزام ببناء شراكة مجتمعية فاعلة تسهم بإيجابية في التنمية الشاملة للوطن كأحد أهم أهدافها الاستراتيجية. ومن بين العديد من البرامج والمبادرات يأتي برنامج «غيث» كأحد أهم منتجات الشراكة بين الجامعة ورجال الأعمال، يتطلع القائمون عليه أن يكون «محضناً علمياً رائداً في نشر ثقافة العمل الحرّ»، وأن يسهم في «تقديم حزمة من البرامج والأنشطة والاستشارات المتخصصة في نشر ثقافة العمل الحر لطلاب وطالبات جامعة سلمان بن عبد العزيز وذلك من خلال فرق علمية متخصصة وبيئة أكاديمية داعمة ومحفزة». ويتسق هذا التوجه مع اهتمامات الدولة في تبني ودعم وتشجيع رواد الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة حيث تؤكد على أهمية بناء شراكة حقيقية تعتمد على تكامل الأدوار لجميع الجهات الفاعلة الرئيسية والمساهمين المحتملين من الوزارات المعنية وممثلي قطاع لأعمال ومؤسسات التدريب ومراكز البحث العلمي والجامعات وخدمات التوظيف، من أجل إزالة كل الحواجز المحتملة وتعزيز فرص ومقومات النجاح لتلك المبادرة، ولعل برنامج «غيث» أحد أهم الخطوات في هذا الطريق.