لعل من أكثر ما يشغل الشعوب اليوم تحقيق الأمن والتنمية؛ ففي الأول يأمن الإنسان على نفسه وماله وأهله؛ وتتحقق بأمر الله الضروريات الخمس. وفي الثاني تسعد الشعوب برفاهية العيش، وتستثمر ما حباها الله من نِعم في كنف من الأمن والاستقرار. الاستقرار السياسي يشكِّل القاعدة الكبرى التي يُبنى عليها الأمن والتنمية، وحماية الشعوب حصانة الأوطان، وترسيخ العدالة، وأداء الحقوق. ويبقى الاستقرار مرتبطاً بالمتغيرات التي تحدثها مؤسسات الحكم، ورؤية الحاكم الاستراتيجية، وتفهُّم الشعوب. أجزم بأن مسؤولية الحاكم عن رعيته لا تقتصر على فترة حكمه، بل تتعداها إلى تأمين المستقبل - بتوفيق من الله وبركاته - وهو أمر غاية في الأهمية، خاصة مع وجود المتغيرات الدولية التي لا تضمر خيراً لكيان الأمة ومستقبلها. فتحقيق الوحدة واللحمة الوطنية الآنية والمستقبلية، وحماية الدولة، وتثبيت أركانها، وتنظيم مؤسسة الحكم، يفترض أن تُشكِّل الهمَّ الأكبر للحاكم والمحكوم على السواء. وبالرغم من انشغال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بشؤون التنمية منذ توليه الحكم، إلا أنه عمد لتأسيس هيئة البيعة، ووضع آلية مُحْكمة لضمان الانتقال السلس للسلطة؛ فمستقبل الدولة لا يقل أهمية عن حاضرها، وتولي مقاليد السلطة لا يعني تجاهل المستقبل وتركه للظروف والاجتهادات، كما أن تحقيق التنمية والمحافظة على مكتسباتها لا يتحققان بمعزل عن تأمين المستقبل من خلال ترتيب بيت الحكم، وتحديد الولاية.. وها هو اليوم يبادر - وفق الآلية الشرعية والتنظيمية المرتبطة بهيئة البيعة - لترتيب مستقبل البلاد، والنأي بها عن الاجتهادات، باختياره الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً لولي العهد؛ ما يعني ضمان ترشحه لولاية العهد أو منصب الملك في حال شغور هذين المنصبين مستقبلاً. الانتقال السلس للسلطة، وتحديد ولاية العهد، يحققان - بإذن الله - الاستقرار السياسي للدولة، ويحافظان على أمنها ومقدراتها التنموية والاقتصادية، ويصنعان سوراً عالياً في مواجهة التدخلات الخارجية والتنافس الذي قد يؤدي إلى فقدان النِّعم والأمن والاستقرار. ترتيب بيت الحكم من الداخل - وفق معايير هيئة البيعة، وموافقة أغلبية أعضائها - وضع حدًّا للتأويلات والتجاذبات الخارجية التي تراهن دائماً على (الاختلاف) لتحقيق مصالحها وأطماعها المشبوهة. اجتماع الكلمة ووحدة الصف وتآلف القلوب من نِعم الله الظاهرة المحقِّقة للأمن والاستقرار. وأحسب أن في ترتيب الولاية المستقبلية نعمة ظاهرة، ومصلحة عامة للبلاد والعباد.. ومشيئة الله تسبق دائماً مشيئة العبد؛ قال تعالى {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}. العمل بتعاليم الشريعة الإسلامية، ووجوب «الاعتصام بحبل الله والتعاون على هداه، والحرص على الأخذ بالأسباب الشرعية والنظامية، لتحقيق الوحدة واللحمة الوطنية والتآزر على الخير»، إضافة إلى «رعاية كيان الدولة ومستقبلها»، كانت من مسوغات اتخاذ القرار الحاسم الذي أجزم بأنه أحد أهم القرارات الاستراتيجية القائمة على المنفعة العامة، والمحققة لمصلحة البلاد والعباد، الذي جاء في فترة حرجة؛ تحتاج دائماً إلى الوضوح والشفافية والقرارات الجريئة. فالأمن والاستقرار مقدَّمان على ما سواهما من أمور، وتسمية أركان الحكم من أهل الولاية الشرعية، والاتفاق عليهم، وأخذ البيعة لهم بوجود خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وأركان هيئة البيعة، مدعاة لترسيخ الاستقرار، وتحقيق مصلحة الوطن، وتأمين مستقبله، ووحدة الأمة. الدولة أكثر حاجة للاستقرار السياسي، الذي يمثل قاعدة البناء، وسور الحماية للبلاد والعباد، وهذا لا يتم إلا باتخاذ القرارات الجريئة المرتبطة بترتيب مؤسسة الحكم من الداخل؛ وهو ما حرص على تحقيقه خادم الحرمين الشريفين باختياره الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد. ندعو الله أن يوفق الأمير مقرن إلى ما فيه الخير والصلاح، وأن يرزقه سبل الرشاد، وأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والبلاد والعباد من كل شر، وأن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.