أكَّد مشاركون في أيام الشارقة المسرحية أهمية النقد المسرحي لتطوير الحركة المسرحية العربيَّة، والارتقاء بالأداء المسرحي في ضوء ما تعانيه الحركة المسرحية العربيَّة من تراجع في الأداء والمضمون. ووفقًا لتقرير مركز الشارقة الإعلامي فإنَّ النقد المسرحي الذي يحلّل العمل المسرحي ويقف على مزاياه وسلبياته يُعدُّ ضرورة مهمة لتقريب معاني ورسالة العمل وأهدافه من خشبة المسرح إلى الشارع العام لضمان وصولها بيسر وسهولة لمختلف فئات المجتمع من جهة، ونقل وجهة النظر العلميَّة بحثيات العمل للقائمين عليه من جهة أخرى. ويجد أصحاب الاختصاص أن النقد المسرحي بات يعاني أزمة حقيقية لها أبعادها السلبية وأسبابها، التي تعود إلى ندرة النقاد المثقفين مسرحيًّا وعزوف المعنين عن محاكاة الفعل الثقافي المسرحي لانشغالهم بقضايا أخرى. وعدّ ضيوف أيام الشارقة المسرحية النقد المسرحي عنصرًا رئيسًا لتحقيق رؤية وأهداف المسرح وتجويده ونشر معانيه، داعين إلى زيادة الاهتمام الإعلامي بالنقد المسرحي في ضوء خلو الساحة المسرحية من النقد الجاد والهادف، مشيرين إلى أن النقد الشائع في هذه الأيام هو مُجرَّد آراء ذاتية ومتسرعة لا تبرز ولا تدعم الحركات المسرحية للأفضل. وعدّ بعض المشاركين في أيام الشارقة المسرحية أهمية الارتكاز إلى «الكلمة» التي يتناولها العمل المسرحي كونها عنصرًا مهمًا لتحليل مضمون العمل عند انتقاده. وأكَّدوا لمركز الشارقة الإعلامي أن الكلمة تبقى ضرورة للتواصل المعرفي وطرح القضية في ضوء سطحية المسرحيات الحديثة التي تعتمد بالدرجة الأولى على الصورة المفتقرة للمعنى. ويدعو الدكتور يوسف عيدابي المستشار الثقافي للدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة نقاد الأعمال المسرحية إلى الارتكاز إلى خلفية فكرية ومعرفية كافية واعتماد مفاتيح النقد المسرحي السليم، واصفًا النقد الحالي بالسريع. وقال: «أيام الشارقة المسرحية تأتي بتيارات مختلفة وعروض في منتهى الواقعية وعروضها ملتزمة مقابل نقد سطحي، وناقد ليس لديه الملكات في النقد». وعدّ المستشار الثقافي عيدابي أن النقد المسرحي فعل ثقافي وهو جزء من العملية الإبداعية، لافتًا إلى أن الثقافة العربيَّة في وضع مأزوم وانحسار وباتت على الهامش وأن المبادرات الثقافية بشكل عام أصبحت نادرة. ولفت عيدابي إلى أهمية «الكلمة» في العمل المسرحي في ضوء اعتماد المسرح الحديث على الصورة وافتقاره للكلمة، مشيرًا إلى ما طرأ من تغييرات تعود أسبابها إلى ثورة وسائل الاتِّصال الاجتماعي والإنترنت واعتمادها على الصورة الصامتة، مما أثر على تراجع الحوار والتواصل المعرفي. وقال عيدابي: «المسرح أصبح الآن فعلاً آنيًا ووقتيًّا وآيلاً للفردية وهذه القضية موجودة كثيرًا حتَّى في أوروبا». وأضاف «عندما جاءت العولمة، أصبح المسرح في هذا الإطار استهلاكيًّا إلا أنّه في دولة الإمارات العربيَّة المتحدة وإمارة الشارقة بالتحديد بني وفق قيم هادفة وذلك لوجود المؤسسات الاتحادية والفرق المسرحية التي حضرت من جميع أنحاء الوطن العربي لبناء مسرح بمفهومه المبني وفق أسس راقية وملتزم بقضايا الأمة». وقال الفنان المسرحي الشهير يوسف العاني: إن النقد المسرحي في البلاد العربيَّة لا يتلاءم مع الحاجة المطلوبة من حيث صيغته ومضمونه. وطالب العاني أن يكون النقد المسرحي مستندًا إلى الرؤية العلميَّة والفنيَّة للناقد في الوقت الذي يعتمد فيه على فهمه المسرح أولاً وعلى متطلبات المسرح ثانيًا، ومن ثمَّ تأثير هذا المسرح على المتلقي. ويجد الفنان العاني أن النقد المسرحي الشائع مُجرَّد آراء ذاتية وآنية بنفس الوقت، وفي حالات كثيرة تعكس الرؤية «المتسرعة» التي تتلاءم مع حالة الكاتب ربَّما مع العمل كلّّه أو ضد العمل، مشيرًا إلى أن الكثير من النقاد يرتكزون على تشخيص الجوانب السلبية للعرض بينما يكون مرورهم هامشيًا للجوانب ذات القيمة في العمل المسرحي. وفي الوقت الذي يُعدُّ العاني أن المسرح بالأصل هو حركة وتعبير فإنَّ النقد يحتاج إلى مشاركة لحركة المسرح ومعرفة متطلباته وكيفية صناعة المسرحية من حيث تكوين العرض المسرحي الذي يشاهده المُتلقِّي وظروف العمل ككل واحتساب الزمان والمكان». وقال العاني «هناك من النقاد الذين ينتقدون بجدية رغم وجود البعض الذين تتحكم بانتقاداتهم ميولهم الشخصيَّة وعلاقاتهم بالمسرحيين، مشيرًا إلى أن الناقد الجيد هو الذي يكون ملمًا بظروف العرض المسرحي فيكون نتيجة ذلك تشخيصات إيجابيَّة تسلّط الضوء على حقيقية هذا العرض سلبًا أو إيجابًا. وقال الكاتب والشاعر الدكتور سامي الجمعان، عضو لجنة تحكيم أيام الشارقة المسرحية في دورتها 24: «إن أيّ عمل إبداعي إذا لم يواكبه مستوى تنظيري يفكك تفاصليه ومكوناته يفتقد الكثير من الجماليات والتأصيل في نفس الوقت، والواقع أن حركة النقد في كلِّ العصور تلعب هذا الدور المهم والرئيس ولهذا على الجميع من مسرحيين وغيرهم عدم الاستهانة أو الاستخفاف بهذا الدور كونه دورًا معرفيًّا يؤسس وينظم وينسق الجهود الاجرائية». وأشاد الدكتور الجمعان بأيام الشارقة المسرحية التي تعزِّز الحوار والنقاش المسرحي بأبعاده الإيجابيَّة، مشيرًا إلى أهمية النقد في تكريس وخلق حالة إبداعية موازية للفعل وتوثيق رؤى الأعمال المسرحية.