في بهو معهد الشارقة للفنون المسرحية الذي استقبلت خشبته بضعة عروض مدرجة في «أيام الشارقة المسرحية» أقيمت مكتبة موقتة تضمّ رفوفها عشرات الكتب الخاصة بالفن المسرحي على اختلاف مراجعه وأنواعه أو أصنافه، عالمياً وعربياً وإماراتياً. والكتب هذه المؤلفة والمترجمة أصدرتها بالتوالي دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة هادفة الى تكوين مكتبة مسرحية شاملة ترفد الحركة المسرحية الإماراتية بما تحتاجه من مراجع فنية وعلمية ومن نصوص عالمية وعربية وتفتح أمامها أفقاً معرفياً رحباً. وقد لا يصدّق زائر هذه المكتبة أن الشارقة استطاعت فعلاً أن تؤسس هذه المكتبة المنفتحة على المسرح العربي والعالمي من خلال أبرز الأسماء من كتّاب ومخرجين ومؤرّخين وسواهم. الألماني برتولت برشت يجاور البريطاني بيتر بروك، والروسي ستاينسلافسكي يجاور البولوني غروتوفسكي... وهلمّ جراً. نصوص عالمية تتلاقى على الرفوف مع نصوص عربية وإماراتية، بعضها معروف جداً وبعضها شبه مجهول، ناهيك بتلك السلسلة التي تعرّف بكل المسارح العربية من دون استثناء وتضم كتباً نقدية وتأريخية تساعد القارئ على تشكيل أفكار شاملة عن هذه المسارح. قد تكون هذه المكتبة بعناوينها اللافتة خير مدخل لقراءة مهرجان «أيام الشارقة المسرحية» الذي تنظمه دائرة الثقافة والإعلام ويضمّ مسابقة يتنافس فيها اثنا عشر عرضاً على قطف الجوائز المتعددة الحقول. فهذا المهرجان الذي بلغ عامه الحادي والعشرين بات فعلاً أهم مهرجان خليجي للمسرح ومن أهم المهرجانات المسرحية العربية. وقد سعت الدائرة الى ترسيخه عملياً ونظرياً مواجهةً الصعاب الكثيرة التي تواجه الفن المسرحي خليجياً وعربياً ومنها انحسار الجمهور إزاء صعود الفن الاستهلاكي والثقافة التلفزيونية وطغيان زمن الانترنت في شتى وسائله... علاوة على الأزمات الجوهرية التي يعانيها المسرح العربي عموماً ومنها ما يرتبط بالنص أو بالإخراج وفن التمثيل. استطاعت دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة أن تمضي في مشروعها المسرحي، متحدّية الواقع الراهن وراحت تطوّر مهرجان الأيام المسرحية حتى أضحى موعداً سنوياً ينتظره المخرجون والكتّاب والممثلون والجمهور بالتالي واجدين فيه الفرصة السانحة للالتقاء بعضهم مع بعض ثم للالتقاء بالنقاد والمخرجين العرب الذين يحلّون ضيوفاً على المهرجان. أضحى هذا المهرجان المتنفّس الوحيد للمسرح الإماراتي الذي يعتبر سبّاقاً في ترسيخ الثقافة المسرحية في الخليج وفي موازاة المسارح العربية عموماً. ولعل المهرجان الذي يترأس لجنته العليا عبدالله محمد العويس ويتولّى ادارته أحمد محمّد بورحيمة أصبح مرجعاً للفن المسرحي الخليجي وفسحة للاختبار والتجريب والبحث بغية تطوير هذا الفن ومعاودة النظر في معطياته على ضوء التجارب الجديدة في العالم. وقد يكون الانفتاح على النظريات المسرحية الحديثة خير دليل على المضي في المساءلة الذاتية أو النقد الذاتي وصولاً الى رؤى وحلول تلبّي الرغبة في التجديد والتحديث. ولم تقتصر «الأيام» هذه السنة على العروض التي افتتحها عرض «الحجر الأسود» الذي كتب نصّه الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، وأخرجه المخرج التونسي المنصف السويسي، بل ضمّت «الأيام» ملتقى فكرياً عنوانه «المسرح العربي بين عقدين». وإذا مثل عرض الافتتاح عودة الى التاريخ لإسقاطه على الواقع العربي من خلال التعرّض لفرقة «القرامطة» وسرقة «الحجر الأسود» ثم استعادته فإن الملتقى غاص في الواقع المسرحي العربي عموماً مبتعداً عن الشعار التراثي الذي طالما شغل الملتقيات المسرحية. واللافت ان لجنة المهرجان تولّت إصدار الأبحاث والأوراق المقدمة في الملتقى مسبقاً ضمن كتاب حمل العنوان نفسه وقد عمل على إعداده وتحريره الكاتب عصام أبو القاسم. وكان في وسع المشاركين في الملتقى، متداخلين وجمهوراً، أن يطّلعوا على الأوراق المقدمة ويناقشوها في الجلسات التي أقيمت طوال يومين. أما النقاد الذين شاركوا في الملتقى فهم: خالد قاسم أمين (المغرب)، فوزية المزّي (تونس)، عزّة القصابي (عمان)، عبدالناصر خلاف (الجزائر)، عبدالإله عبدالقادر (العراق - الإمارات)، سيد الإمام (مصر)، سباعي السيد (مصر)، ياسين النصير (العراق)، نوال بنبراهيم (المغرب)، ابراهيم حاج عبدي (سورية)، اليسع حسن أحمد (السودان)، جمال عياد (الأردن). وتغيب عن الملتقى الناقد المصري صبري حافظ، لكنه أرسل مداخلته وهي بعنوان «المسرح التونسي بين البوليفونية والكتابة الركحية» وتطرّق فيها الى أعمال مسرحية تونسية مستخلصاً خصائصها الجمالية والتقنية والفكرية. ولئن دارت بعض الأوراق حول المسارح العربية، فإن أوراقاً أخرى دارت حوال قضايا المسرح وجمالياته وأبعاده. فالباحث خالد أمين تناول «أسئلة ما بعد الدراما» في المسرح العربي ورأى ان المنعطف «الفرجوي» الذي يشهده المسرح العربي هو «انفلات تجريبي يبحث عن طرائق بديلة لصناعة الفرجة ومنظور جديد لتلقيها». ثم رصد حالاً من الابتعاد عن الدراما الأرسطية تدريجاً، بحثاً عن ممارسة مسرحية غير متجانسة. وخلص في الختام الى أن «مسرح ما بعد الدراما» لا يشكل نظرية جديدة قائمة بذاتها، فهو لا يزال موضع نقاش في أوروبا. وتطرّق الناقد المصري سيد الإمام الى «نظم الانتاج في المسرح المصري» ملقياً ضوءاً ساطعاً على بنى الحركة المسرحية المصرية ونظام الإنتاج الذي تعتمده. وبدت ورقته ذات منحى علمي وتوثيقي، ورؤية بانورامية شاملة. أما الناقد السوري ابراهيم حاج عبدي فتوقف عند التجارب والرؤى الجديدة في المسرح السوري خلال السنوات العشر الأخيرة وقدّم نماذج عدة تمثل هذه التجارب التي رسّخت هويتها الخاصة. وتناول الناقد الأردني، جمال عياد الاتجاهات الجديدة في المسرح الأردني وتوقف الناقد والكاتب عبدالإله عبدالقادر وقفة تأريخية واستعادية أمام المسرح الإماراتي الجديد، ورأى ان هذا المسرح يشهد مخاضاً جديداً يسعى الى إيجاد مسيرة مختلفة للمسرح المحلي والمسرح العربي في آن واحد. أما الناقد العراقي ياسين النصير فآثر أن يتناول قضية مسرحية مرتبطة بالخشبة أو بجغرافية هذه الخشبة، منطلقاً من كون خشبة المسرح «واقعاً وجغرافيا لا حدود لها» لأنها تقدم «موديلاً» للعالم الواقعي. أما ورقة عزّة القصابي فدارت حول ثلاثة محاور تأصيلية في المسرح العماني بدءاً من انطلاقه حتى واقعه الراهن. وركّزت الناقدة التونسية ورقتها حول «المشهد المسرحي في تونس» متناولة مدلولات التجاذب بين السياسي والجمالي. وبدا الناقد المصري سباعي السيد صاحب مقاربة فريدة، إذ تناول في ورقته «المسرح العربي على الانترنت» باحثاً عن حضوره والأثر الذي يملكه من خلال هذه التقنية الحديثة. وتوقف الباحث السوداني عند «جدل الوافد والموروث في المسرح السوداني»، وتناولت الناقدة المغربية نوال بنبراهيم الإبداع المسرحي في المغرب في قراءة بانورامية، تحليلية ونقدية. ولئن بدا من الصعب التوقف عند المداخلات التي قدّمت، نظراً الى شموليتها وطابعها العلمي ومقاربتها الوصفية والتحليلية، فإن صدورها في كتاب مستقل يتيح فرصة العودة اليها وقراءتها. والكتاب يشكّل مرجعاً مهمّاً لمواكبة الحركة المسرحية العربية الراهنة، نظرياً وإبداعياً، لا سيما ان الكثير من الأبحاث تطرّق الى تجارب عربية عدّة. توصيات مسرحية وكانت لجنة التوصيات في الملتقى انتهت إلى التوصيات الآتية: أولاً: إشراك صنّاع العرض المسرحي في الملتقى الفكري كي لا تقتصر المساهمات على النقاد والباحثين فحسب، ثانياً: إصدار دليل خاص بالمسارح والمجلات والدوريات في العالم العربي يتضمن المعلومات الأساسية عن المسرح في كل بلد عربي، ثالثاً: توطيد الصلات بين المسارح العربية ببذل المزيد من الأنشطة المسرحية المشتركة و العمل على استحداث نظام «الباحث المسرحي المقيم»، رابعاً: توسيع قاعدة المنشورات المسرحية الورقية باستحداث آلية مناسبة للتوزيع في الوطن العربي، توازياً مع الاهتمام بالنشر الإلكتروني، خامساًً: ربط الجهود البحثيّة المسرحية في الجامعات بالمشهد المسرحي العام لتجسير الهوة بين التنظير والممارسة العملية، سادساً: تنشيط حركة الترجمة من العربية إلى لغات أخرى للتعريف بالمنجز المسرحي العربي. وكرّمت «أيام الشارقة» الممثلة المصرية الرائدة سميحة أيوب وهي فازت أخيراً ب «جائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي» في دورتها الخامسة. وسبقها الى هذه الجائزة: سعد أردش (مصر)، ثريا جبران (المغرب)، نضال الأشقر (لبنان)، وسعد الفرج (الكويت). وأصدرت الدائرة في المناسبة كتاباً عن سميحة أيوب «سيدة المسرح العربي» وقد أعدّه الناقد المصري أحمد سخسوخ. وجاء في تقديم الكتاب: «فنانة تألقت عبر مسيرة طويلة من العطاء الفني والإنساني، جعلها ترتقي سدة المسرح بامتياز، فاستحقت مجده، وأصبحت سيدته، سيدة المسرح، تحصنت بثقافة إنسانية وفنية رفيعة، وحس راقٍ، جعلاها تصمد على مدار مشوارها الفني الطويل، الذي سوّرته بإرادتها القوية، كي تحف هدفها نحو النجاح والمكانة التي تصبو اليها بإمكانات التحقق، حتى وصلتها بالبذل المستمر في كل مراحل حياتها، بوعي ودأب وجهد». وكرّمت الدائرة أيضاً المسرحي الإماراتي ناجي الحاي الذي شكل علامة بارزة في تاريخ المسرح الإماراتي وأصدرت كتاباً عنه ضمّ مقالات وصوراً. وكان لا بدّ من أن ترافق «الأيام المسرحية» نشرة يومية بعنوان «الأيام» هدفها متابعة العروض والندوات ومحاورة المشاركين وتوثيق الأحداث المسرحية. وقد شكلت لها هيئة تحرير تضم الناقد أسامة مرّة رئيس اللجنة الإعلامية في المهرجان والصحافية عائشة مصبح العاجل المسؤولة الإعلامية في الدائرة والناقد عبدالفتاح صبري. وكتب أسامة مرّة في العدد الأول عن النشرة قائلاً: «في هذه الدورة سنحرص في نشرة «الأيام» على تطويرها شكلاً ومضموناً لتواكب جديد الدورة، ولتشكل المنبر المقروء والموثق لها، نشرة تحرص على أن تكون رافداً معلوماتياً وفكرياً إسوة بالمطبوعات المسرحية».