هل يمكن للرؤى النقدية أن تتحول إلى محاورة؟ سؤال طرحته الإعلامية سميرة أبو طالب في مُستهل كتابها «عاشق المسرح والتاريخ: محفوظ عبد الرحمن في محاورات النقاد» (روافد للنشر والتوزيع) والذي يُعد توثيقاً لمسرح عبد الرحمن منذ بداية مسيرته العام 1975، وانتهاء بمسرحية «بلقيس» التي قدمها المسرح القومي عقب «ثورة يناير» 2011، وذلك بالكلمة والصورة، واعتماداً على مقالات لكبار النقّاد في مصر والعالم العربي. ولعل الدافع الأساس للكتاب كان اهتمام عبد الرحمن بقضايا الإنسان العربي وعلاقته بنظم الحكم، إضافة إلى استلهام التاريخ في إطار معاصر من أجل فتح النقاش حول قضايا آنية، بلغة سلسلة. بدأ محفوظ عبد الرحمن العمل في الصحافة، وحاز الليسانس في الآداب (قسم التاريخ) عام1960. أخرج له التلفزيون المصري أكثر من40 مسرحية تلفزيونية، وكتب للمسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما، ومن أشهر أفلامه «حليم» (2005 - إخراج شريف عرفة)، و»ناصر» (1996) و»القادسية»، إضافة إلى مسلسلات «أم كلثوم» و»بوابة الحلواني» و»سليمان الحلبي وعنترة» و»ليلة سقوط غرناطة». كما أثرى المسرح العربي بتسعة نصوص مسرحية وثلاث مسرحيات قصيرة هي «ما أجملنا»، «احذروا»، و»محاكمة السيد ميم». وبحسب الناقد عبد الرحمن أبو عوف، فإن إسهامات عبد الرحمن في المسرح جديرة بالمناقشة، لكن اغترابه عن مصر حجب الكثير من أعماله التي عُرضت في بلدان عربية أخرى، في حين اكتظت المسارح المصرية بأعمال سطحية لا تُعبر عن هموم الناس وأزماتهم آنذاك. ولفت أبوعوف إلى أن مسرحية «كوكب الفيران» نموذج على تنويع الكاتب في أساليبه الجمالية وأدواته التعبيرية، فأتت تجربته تلك مميزة في التراكم المسرحي العربي الحديث، إذ طمحت إلى جعل المسرح اجتماعياً سياسياً، يوجه الجماهير، ولو أن الكاتب، بحسب أبو عوف، لم يوفق في تكثيف المعنى، ووقع في المبالغة والاستطراد في الحوار وتعدد الشخصيات، فقصُرت المسرحية عن «المسرح السياسي». ويشير الدكتور مصطفى عبد الغني إلى أن عبد الرحمن عانى غربة نفسية وجسدية، على رغم أن أعماله عُرضت ونُشرت في الأردن والكويت وقطر والإمارات، لكنها لم تحضر في مصر حتى بداية الثمانينات، إضافة إلى تعنت الرقابة إزاءه. وقيمة الرجل، وفقاً لعبد الغني، تكمن في معرفته لطبيعة العلاقة الوثيقة بين المسرح والتغيير، فتعددت خيوط الإسقاط السياسي، وسادت اللغة الشعرية، كما الرمز المكثف. ويلفت الناقد المسرحي السوري نبيل حفار إلى أن ما كُتب من مسرحيات عربية بعد العام 1967، لطالما كان مردّه التراث عموماً، و»ألف ليلة وليلة» خصوصاً، إما بحثاً عن شكل مسرحي عربي من طريق طرح مضامين وأشكال ذات أصول فولكلورية أو تاريخية، أو بغية التوصل إلى وسيلة لمعالجة الواقع السياسي الاجتماعي الراهن من دون الوقوع في قبضة الرقابة والتعرض للمنع. وفي مسرحية «حفلة على الخازوق»، يضيف عبد الغني، جعل عبد الرحمن من شخوصه أنماطاً أو وظائف، وألحق بكل شخص مسرحي صفات ترسمه كنمط، بمعنى أنه لم يتبع أسلوب تطوير الشخص إلى شخصية، وذلك بحكم البناء الدرامي الذي اختاره، لكنه قصر في تقديم البُعد الاجتماعي لكل نمط، فجاءت شخوصه قاصرة عن التعبير المُقنِع عن أدوارها. وعن فكرة المقاومة، تكتب سميرة أبو طالب، إن عبد الرحمن لم يقدّم صورة السلطة في سطوتها المفرطة، بل ناقش علاقة المحكوم بنظم الحكم، وقدّم نموذج الإنسان البسيط المؤمن بدوره في تلك المنظومة، وراوح في تقديم هذا النموذج بين فئات المجتمع، بدأها بالمرأة في مسرحية «حفلة على الخازوق»، ووضع شخصياته في قالب حواري جعل القارئ/المتلقي يُدرك حقيقة الشخصيات. وجعل محفوظ النهاية مفتوحة في مسرحيته هذه، ثم أتبعها برسالة تحذيرية لقارئه ومتلقيه في مسرحيته «عريس لبنت السلطان» ليؤكد أن فعل المقاومة لا بد أن يستمر طالما أن الشخصيات (في مسرحيته السابقة) تتكرر بأفعالها ووظائفها، فجعل الخطر مزدوجاً بين حكام استسلموا لقوة الخرافة تتحكم في أفعالهم وعدو يتهددهم. وتضيف أبو طالب أن هاتين المسرحيتين كتبهما محفوظ في سنوات السبعينات، وربما تعكسان المكون السياسي لهذه المرحلة، وما ترتب على أحداثها من حسّ اجتماعي، ثم انتقل إلى تجسيد مختلف لأحداث عصر ربما راق للبعض أن تتبلور قراءته في عصر الانفتاح وما صاحبه من تغير للرؤى والمضامين السياسية، وذلك من خلال مسرحيته «كوكب الفيران» التي كتبها باللهجة العامية.