الوعظ الديني مهنة سامية، وعند الحديث عن الوعظ، يتبادر إلى ذهني وعاظ الزمن الجميل، حيث الزهد، والنقاء، والإخلاص، ومن المؤلم أن هذه الشعيرة تحولت مؤخراً إلى مهنة مربحة من لدن بعض ضعاف النفوس، والذين أفقدوها كثيراً من قيمتها، وألحقوا ضرراً بالغاً بها، وربما يعتقد البعض أن الوعظ مهنة يقتصر وجودها في العالم الإسلامي، وأن الشعب الأمريكي، وهو ابن الحضارة العريقة، لا علاقة له بمثل هذه الممارسات، أو ربما تم الجزم بأن التبعية العمياء للواعظ من جهة، والدفاع عنه حتى لو ارتكب الموبقات من جهة أخرى، هي حصر على مجتمعاتنا، وهذا اعتقاد خاطئ، ففي كل المجتمعات الإنسانية، بما فيها المجتمعات الغربية، يحظى الواعظ بقيمة كبيرة، ويتم تفسير كل ممارساته بأنها لوجه الله، ولخدمة الدين، ومهما تبين كذب، وزيف، وتزوير الواعظ فإن الأتباع من البسطاء سيتفننون في الدفاع عنه، وهجاء خصومه، ويكفونه عناء الرد، إذ إن وجود الدهماء شرط ضرورة لوجود مثل هؤلاء الوعاظ، كما أن وجود الواعظ «المزيف»، وتكسبه، وثراؤه رهن بوجود البسطاء من الأتباع، والذين يحتاجون دوماً إلى قائد يوجههم، إذ هم في حالة تعطيل شبه كامل للعقل. سأتعرض لنماذج من الوعاظ الأمريكيين، والذين لا يختلفون كثيراً عن بعض الوعاظ في أي بقعة من بقاع الأرض، بغض النظر عن الدين، والعرق، ومن المعروف أن المجتمع الأمريكي مجتمع متدين، مقارنة بالمجتمعات الغربية الأخرى، وتقل نسبة الإلحاد فيه بشكل كبير، ولذا ينشط سوق الوعظ على كل مستوياته، سواء كان في الكنيسة، أو في التجمعات السكانية، أو في وسائل الإعلام المختلفة، وأهمها التلفزيون، وكما هم كثير من الوعاظ «المزيفين» هذه الأيام، فإن بعض مشاهير الوعظ في أمريكا هم من طبقة الأثرياء، إذ هم يسكنون القصور، ويركبون أفخم أنواع السيارات، ويملكون الأموال الطائلة، والتي يحصلون عليها عادة عن طريق التبرعات من الكادحين، وعن طريق بيع منتجاتهم الوعظية، وعن طريق الاستثمار، كما أنهم يتمتعون بخدمة البسطاء لهم!. ولبعض مشاهير الوعظ في أمريكا قصص لا تكاد تصدق من حيث النصب، والاحتيال، والضحك على رعاع الناس من المعدمين، فهو يحتقر الجموع الغفيرة من التابعين، لعلمه بأنهم من معطلي العقول، ولذا لا يتورع عن كل قول أي شئ، ولا عن ادعاء أي شيء، كما لا يحد ارتكابه للفواحش حدود، وقد تشدون شعر رؤوسكم عندما استعرض قصصاً لأهم، وأشهر وعاظ أمريكا خلال العقود الماضية، وعندها ستدركون أن تجارة الوعظ من بعض ضعاف النفوس ليست حصراً على مجتمعاتنا الإسلامية.