مر فقير إلى متفرنج أخذ يشكو إليه حاله فانتهره المتفرنج قائلاً : (مالك لاتعمل .. من جد وجد !) . فهؤلاء من البشر لا يهيئون السبل الرزق للفقير ثم يقولون : اسعى في رزقك ! هم كمثل ماري انطوانيت حيث قالت عندما كانوا شعبها جياع ويريدون خبزاً قالت : ( كلوا الكعك ) . الوعاظ نوعان : المتفرنج أي (المتغرب ) الذي لا يقل عن الواعظ الديني بشيء , يكون لديهم ولع بالنصائح الفارغة , فلا يكاد أحد منهم يذهب الى بلاد الغرب حتى تنتفخ أحشاء عقله غروراً , ويبدأ بتمجيد سجايا الغربيين وسمو أخلاقهم . ثم ينظر إلى من حوله من البؤساء بنظرة دونية ويقول : ( متى سوف ترتقون بأخلاقكم !) . يفتخر وعاظ الدين بالسلف الصالح , ويفتخر وعاظ المتفرنجين بأخلاق الغربيين . وجميعاً يريدون أن يضعوا أمام الناس غاية لا تنال في سبيل الترويع لا أكثر . الأخلاق هي نتيجة اجتماعية بحتة , فالغربيون لم تتحسن أخلاقهم في يوم وليلة أو بمجرد أرادوا ذلك , بل تحسنت هذه الأخلاقيات بسبب تحسن الظروف الإجتماعية والإقتصادية والحضارية فتحسنت معها الظروف الأخلاقية . ومن الظلم أن نطلب من الكادح الذي يعيش في قشة أن يكون نظيفاً أو صادقاً , فهو مضطر أن يكذب ويسرق حتى يسيطر على معاشه العسير . لأن النظافة بين أبناء الأناس الكادحين فهي دلاله ليس له معنى من الأساس . يريد الوعاظ من الفقراء أن يكون أصحاب فضيلة وهم يعلمون في داخل أنفسهم أنها مستحيلة , فهي غطاء واضح لأي سرقات وظلم يقوم به سادتهم , وفي النهاية يلقون اللوم على ( أخلاق الناس الكادحين لأنها جلبت البلاء لهم !) . فأصبح الواعظون أو أصحاب النصيحة من كلا الفريقين في وادي والجيل الجديد في وادي آخر . إن منطق الوعظ الأفلاطوني هو منطق المترفين في الوقت الحالي ولا تغنى ولا تسمن من جوع , ودخل إلى الإزدواجية في الشخصية حيث أن الواقع يختلف تماماً عن الوعظ الذي تكلم به وقد تكثر هذه السمة بين المراكز الدينية , حيث أن المجتمع الذي يكثر فية الوعاظ تكثر التصادم فيه بين الأجيال وبين أنفسهم , ومع مرور الوقت تتحول إلى مهنة ناجحة في جمع الثروات من خلال المنابر الخطابية الحماسية فكل خطاب حماسي مبلغ مالي لا يستهان به . إن الإزدواجية في الشخصية والوعظية هي حقيقة يعاني منها المجتمع وقد تكون المرأة هي الأكثر ظلماً في مسألة الإجبار على تنفيذ هذا الوعظ دون مناقشة ووصاية عليها بأسم صاحب الموعظة ! وهذه المسألة سوف يتبعها مقال مطول عنها ... سديم الضراب مدونتي