ومع هذا التكدس السكاني الكبير في العاصمة الرياض، ومع ما يرافق ذلك من زيادة متسارعة في أعداد السيارات وبالإضافة إلى الامتداد العمراني الرئيسي للعاصمة فإن إدارة المرور هي واحدة من قطاعات الخدمات التي تقدّم حضورها على مدار الساعة. إن إدارة المرور معنية بالحد من الخسائر البشرية والمادية التي تنتج عن عدم الالتزام بالقواعد المرورية والتهور ومخالفة الأنظمة سواء كان عن قصد أو غير قصد، بل إن وجود المرور في هكذا عاصمة مطلب مهم اقتضته الحاجة حتى بات رجل المرور جزءاً من مشاهداتنا اليومية. لنبتعد قليلاً عن نقد جهاز المرور، فلا خطأ رجل المرور ينسحب على الإدارة بأكملها وإن كانت هذه الأخطاء تتمثَّل في أسلوب (جاف) هنا، أو مخالفة قد يراها السائق ظالمة له، أو تغاض عن انتهاك للأنظمة من ناحية أخرى، ولنجرب قليلاً معرفة نواحيه الإيجابية ومساهمته في طرق خالية من الموت. في تقرير لمرور الرياض، كشف عنه مؤخراً بيّنت الإحصاءات أن عدد المخالفات التي سجّلت السنة الماضية قد بلغت نحو 2.95 مليون مخالفة، وهذه الإحصاءات صدرت من إدارة المرور نفسها، ولنفترض أن نحو 10% من هذه المخالفات جاء نتيجة خطأ بشري أو تقني من المرور، فإن الرقم ما زال كبيراً و(مخيفاً) ويعطي دلالة أخرى أن بيننا كثيراً ممن يعشقون مخالفة القوانين. أتحدث عن مرور العاصمة، وهو في الحقيقة يغطي كامل أحياء وطرقات الرياض، أو معظمها، ويحاول (قدر المستطاع)، الحد من هذا الانفلات الأخلاقي الذي يعاني منه بعض السائقين في كل شارع؛ ولو قارنا أرقام الحوادث خلال السنة مع السنوات الماضية لوجدنا انخفاضاً كبيراً في عدد المخالفات والحوادث التي كبّدت المواطنين خسائر كبيرة في أنفسهم وأبنائهم وسياراتهم وأموالهم. في إحصاءات المرور لعام 2008م سجّلت 1200000 مخالفة مرورية، بينما بلغ إجمالي أعداد المخالفات المرورية خلال العامين الماضيين 5254638 مخالفة، كما أن نسبة المخالفات زادت نحو 11% عن السنة الماضية، وهذا رقم مخيف يجب التعامل معه بجدية متناهية. لا أعرف مدير مرور الرياض العقيد علي الدبيخي، لكنني على يقين بأنه استطاع مواصلة الرفع من مستوى أداء أفراده وضباطه؛ وأود هنا أن أشيد بالطريقة الحضارية التي بات رجل الأمن يعامل بها رواد الطرق وطريقته في التعاطي معهم. لست بمعزل عن سكان الرياض، وكل ما سبق الحديث عنه أعلاه في ناحية والمرور السري في ناحية أخرى، حيث إعجابي الشديد به وبمستوى أدائه العالي (جداً) وحضوره في كل شارع أذهب إليه، بل إن وجوده كمراقب خفي، يثلج الصدر. كم يسعدني أن أكون في الدائري (مثلاً) وتمر عن يميني أو يساري سيارة (متهوِّرة) لأجدها بعد قليل مركونة على قارعة الطريق يأخذ صاحبها مخالفته بكل امتنان. مرور الرياض يا سادة يخدم أكثر من خمسة ملايين إنسان يومياً، وأفراده هم أبناء العاصمة بعد أن ينتهي عملهم المضني، وبعد ساعات من احتكاكهم بأطياف مختلف من المواطنين والمقيمين. لا يمكن لنا أن نلعن هذه الشمعة لأنها أحرقت ثوب هذا أو إصبع ذاك، بل علينا أن نحافظ عليها لتنير طريقنا وتحفظ خطانا من عثراتنا، أو عثرة متهور قد يتسبب في حرماننا من حياتنا، وخطانا والشمعة.