(وقعت هذه القصة في رمضان المبارك في عام 1432ه نقلها لي بتفاصيلها شقيقها عبدالمحسن الشراري كما روتها له (حسينة الشراري) التي عايشت القصة) *** -حضر أهلها واصطفوا من حولها وبجانبها يهونون عليها ما أصابها ويخففون عنها رغم ما بهم من ألم وحسرة على ما آلت إليه حالها، وقد حضروا للتو من الشمال وأقاموا مراسم العزاء ودفنوا سلامة وأولاده الثلاثة وابنتيه قبل ذلك في مقبرة خيبر، نظرت إليهم أم عبدالمجيد وبادرتهم بالسؤال!! أين والدتي؟ فأخبروها أن والدتها رفضت أن تأتي، لأن قلبها أضعف من أن ترى ابنتها في تلك الحالة وقد فقدت زوجها وخمسة من فلذات كبدها فبقيت في بيتها تنتظر عودتهم.. هنا تردد شريط الذكريات في ذاكرتها لتتذكر بيتها وأبناءها وأحبابها الذين كانوا يضيئون بيتها فرحا وسرورا وتذكّرت اجتماعهم والتمامهم فيه وكأنها شعرت بأن بيت زوجها مازال هو أيضا ينتظرهم فكل شيء فيه على ما كانت قد تركته... مازالت أنوار البيت مضاءة... ومازال ينعم بالسكينة والهدوء.... ما زال ينتظرهم.... وكأن الشوق قد زلزل أرضه... ينتابه الحزن وكأنه يصرخ ليسأل الجيران ومن حوله.... عن صاحب الدار!!! عن أبنائه!!!!! عن الأطفال الذين كانوا يلعبون أمامه!!!! لقد طال الغياب.... طال الغياب!!!!! بدأت تتمتم في هذه اللحظات بكلمات أشبه ما تكون بقصيدة لتنادي والدتها ودموعها تعانق وجنتيها لتقول لها والألم يعصر قلبها هذه الأبيات التي خرجت من قلبٍ آلمه الفراق وأضناه التعب وقتلته الجروح لتستقر في كل قلب سمعها أو قرأها فقالت: مري على البيت يايمه عزيه كانه تباطاهم عزيه كانه على اللمه متوحشاً يرجي ادناهم راعيه مات وجرى دمه ابوسطهم يوم رباهم اجسادهم بس ملتمه وارواحهم عند مولاهم قلبي من فراقهم زمه الحزن من حر فرقاهم والموت ماينطوي همه لما انتساوا بممشاهم ويلي على شوفهم يمه ويلي لما اموت وألقاهم ضافوا كريماً على الأمه راضين يوم القدر جاهم خرجت أم عبدالمجيد ومن بقي معها على قيد الحياة من أطفالها من المستشفى واستعدوا للعودة للشمال مع إخوانها وعند خروجهم من المدينةالمنورة ومرورهم بمدينة خيبر تذكرت تلك اللحظات الأليمة التي مرت بها، ثم أنشدت وكأنها تخاطب زوجها وأبناءها رحمهم الله لتقول: لحظة موادعنا حدتها مواقيت عيّت تسمعني من أرواحهم بوح ودّعتهم للي خلق حجة البيت ولبّوا نداه بخالص الفرض والروح حبايبي بس اعذروني إلى اقفيت! افراقكم ربي كتبها على اللوح.. لم تكن شاعرة من قبل ذلك ولكن المعاناة جعلتها تنزف هذا النبض الذي كانت تعتقد أنه مجرد مشاعر قد خرجت منها وليدة اللحظة وقدرها أن كانت تلك المشاعر أبيات قصائد قد حفظها الكثير ممن كان يعرف قصتها... عادت أم عبدالمجيد وطفلها وابنتاها إلى محافظة القريات لتبدأ الحِداد في بيتها... لتقول: وش فايدة جذعاً فقد خمسة غصون بأول نباته ما عرفنا مصيره ينمى ويبري الموت والوقت موزون نحميه والمولى عليم بمصيره وأخيراً وليس آخراً كتبت هذه الأبيات توصي بها شقيقتها عندما ذهبت للعمرة في رمضان الذي يلي وفاتهم فقالت لها: اختي الى جيتي بلاد الحبايب قولي لهم عن لوعتي واشتياقي وقولي لهم اني شربت المصايب الحزن واللوعه وطول الفراقي ويالله عسى قبورا علتها النصايب منك المطر ينثر عليهم اغراقي ادعيلهم دعوة صدوقاً وتايب من كل قلبي غير دمع الفراقي اختي طلبتك لاتفوت الوهايب ادعيه باوقات العشر والبواقي رحم الله أبو عبدالمجيد وأبناءه وبناته... وجبر الله مصاب أم عبدالمجيد شاعرة المعاناة «حسينة الشراري»، وعظم الله أجرها.. التي ما زالت منذ ذلك الوقت ترثيهم كلما مروا في ذاكرتها ولم تستطع نسيانهم ولكن المجال لا يسمح لذكر جميع ما كتبت عن أبنائها، لتسير في نهجها في كتابة الشعر الرثائي على نهج الشاعرة الخنساء التي لم تكتب إلا شعر الرثاء في أخويها معاوية وصخر اللذين فجعت بهما بعد أن وافتهما المنية*. وعلى الحب نلتقي... أستودعكم الله.