الترحال من سمات سكان البادية وتغير تفرضه طبيعة الحياة وطلب العيش ويصاحب الرحيل تغيرات اجتماعية واقتصادية ووجدانية لوحظت في قصائد الفراق ولعل النواحي الوجدانية والعاطفية هي الأكثر تأثيراً وقد جسد الشعراء ساعة الفرقاء بأنها أبدية فعندما تحين ساعة الرحيل قبيل طلوع الشمس ينهض الجميع للوداع، وإسدال الستار على مرحلة في حياة البدو الرحل يكون آخر خيوط شمسها عندما ينخفض الأفق ويبتلع الضعن والأيدي تلوح بمرارة وقد يكون في بعضها الحناء المنقوش عندها يخيم الحزن على المكان الذي لم يبق فيه سوى ذكرى للراحلين ومنها أحجار "القدر الثلاثة" وهي بقايا تعرف باسم الرسوم منذ القدم يقول الشاعر الجاهلي: لهند بأعلى ذي الأغر رسوم الى حدأ كأنهن وشوم ولعل أروع صورة بانورامية لمشهد الرحيل، وخفقان القلوب العاشقة، وانهمار دموع الوجد والفراق ماصوره الشاعر المبدع عبدالله بن سبيل، إذ يقول: لولا الحيا لارقى طويل الرجومي واصيح صوت كل من حولي أوحاه عليه قلبي بين الاضلاع يومي أوماي صقار لطيره ولاجاه ويترك الأحبة آثارهم في المكان توقظ جروح الشوق للعابر من حولها أو لمن يبحث عن رائحة الراحلين وذكرياتهم عندها يقبل المكان ويسلي العاشق نفسه بما تبقى فيما يعرف باسم المراح، وعندما نسير خلف آثار أخفاف الأبل التي رحلت الى المكان البعيد نجد أن وقع اقدامها يزن ابيات شعر الفراق والرحيل المر: ياعين لاتبكين من حر الأفراق هذا زمان حل فيه الافراقي سبة ظعون شلعوا قبل الاشراق قفوا وانا قلبي تحول حراقي وللرحيل ولحظات الفراق بعد العشق الذي ينشأ بشكل قوي ولاينتزع حتى يمتشق القلوب آثار في لغة التفاهم والشعر والمفردات لذا تجد أشعار وقصص التوجد هي السائدة ويعود ذلك إلى أن الفراق في ظل ظروف الصحراء وتقلباتها يشبه الأبدي حتى في نطاق المعارف، وقد نتج عن ذلك مفردات وأمثال منها الوجد واللوعة والفرقا وغيرها ويقال أيضا( روحة آل فلان) أي رحلوا ولم يرجعوا ومن هنا ينبع قوة التألم واللوعة عند الفراق يقول الشاعر: ياعين وين أحبابك اللي تودين اللي ليا جو منزل ربعوا به