من الناس من يجيء وكأنه لم يوجد ويموت وكأنه لم يولد ويغيب وكأنه ما خلق، على أن قلة منهم تكون حياتهم ربيعاً وعطاؤهم ينبوعاً ووفاؤهم مثلاً، لذلك يكون فقدهم أسى قلوب ووجع ذاكره وألم مشاعر، ومعالي الأخ العزيز محمد الرشيد ذلك الغالي الذي غاب واحد من هذه القلة الذي يفجع لفقده مَن عرفه ويوجع لفراقه من ألفه ويعرف فراغ مكانه من خبره وصحبه، وإذا كانت حوادث الدهر كبيرة وموجعاته كثيرة فإن الموت هو أشد هذه الحوادث فجيعة وأوجعها ألماً، ذلك أنه الفراق الذي لا لقاء بعده والسفر الذي لا عودة منه ويزداد الشعور بهذه الفجيعة ويتعمّق الجرح إذا كان الفقيد له في قلوب كثيرة مكانة وفي عقول محبيه حضور مثل د. محمد الرشيد، ومن عرف محمد الرشيد عن قرب وصحبه بلا حجاب يعرف أنه من فئة ليس مثلها كثير وإن فقده ليس باليسير، لقد كان فرداً تسكنه مطالب فئته وتساوره مواجع من يحمل تطلعاته ورؤيته، وكان زكي النفس صافي القلب لا أظنه يعرف الكراهية والحقد إلا من قراءتها في القاموس، لقد كان وفياً لإخوانه معيناً لخلانه مجيباً لداعيه، وكان يحمل من هموم أمته ما لو حمل مثلها أو بعضها كثير لكانت لهذه الأمة مكانة غير هذه المكانة ومنزلة غير هذه المنزلة، ذلك ما عرفته منه وعنه في الشأن العام، أما في الشأن الخاص؛ وأعني بذلك علاقته بأصدقائه ومخالطيه فهي علاقة المحبة التي لا تتغيَّر والاهتمام الذي لا يهون، لقد تولى كثيراً من المسؤوليات والمناصب فلم يتغيّر منه خلق ولم يَزوَر منه جانب ولم يبخل عن ذي حاجة أو مطلب. خلف الله الفقيد على أبنائه وأهله وذويه ومحبيه بجميل الصبر وجزيل الأجر وصلاح العقب، وخلف عليه أهله وأحبائه بظلال رحمته ووارف مغفرته والأكرمين من ملائكته يدخلون عليه من كل باب سلام، والله غالب على أمره ولا حول ولا قوة إلا به.